الجسد : هل هو مصدر كل خطية ؟! كثير من النسّاك يرون أن الجسد هو مصدر الخطايا جملةََ! ويرون أن كل الخطايا ترجع إلى ثلاثة: الجسد والعالم والشيطان! وأن الشيطان يستخدم الجسد بالذات! بل يبالغ البعض ويقولون إن الجسد هو خطية فى ذاته!! ونحن نقول لهم: لو كان الجسد خطية فى ذاته، ما كان الله قد خلق جسداً على الإطلاق، وما كان قد أبدع فى تكوين هذا الجسد... فلقد خلق الله أجساداً للبشر والحيوانات والأسماك والطيور... ولكن أبدعها جميعاً فى كثرة أجهزته وأدقها هو الجسد البشرى. فهل يُعقل أن يكون هذا الجسد مجرد وعاءِِ للخطيئة ؟! وهو أكمل جسد فى الخليقة... يقولون إن جسد المرأة هو سبب سقوط الرجل!! ونقول لهم أن سبب سقوط الرجل هو شهوته. كما أنه قادر على ممارسة شهوته بدون المرأة، على الأقل بفساد قلبه وبتصورات ذهنه التى تسبح فى مجال أوسع من نطاق الواقع! إن الخطيئة تبدأ فى العقل والقلب أولاً. وبعد ذلك تبحث لها عن سبب خارجى عملى لكى تتعلق به. وهنا تبدو المرأة باعتبارها الشماعة التى يعلّق الرجل عليها أخطاءه!! لا ننسى أيضاً أن الروح لها أخطاؤها، والعقل أيضاً له أخطاؤه. وقد تكون أخطاء الروح والعقل أكثر. فلماذا التركيز إذن على الجسد وأخطائه ؟! ربما لأن غالبية أخطاء الجسد واضحة ومكشوفة، بينما أخطاء العقل – على الرغم من كثرتها وبشاعتها – غير مكشوفة،! لذلك فهى تختفى وراء الجسد، وتصدّره للمسئولية!! بينما – فى الكثير من الحالات – العقل هو الذى يتسبب فى خطايا الجسد.. هو الذى يفكر فى الخطية وفى طريقها وفى توقيتها، ثم يدفع الجسد إلى ارتكابها... فعلى من تقع مسئولية الخطية اذن؟ على العقل أم على الجسد؟ على كليهما طبعاً. على العقل أولاً كمحرضِِ ومدبرّ. ثم على الجسد أخيراً كمنفذ... إن غالبية ما يقال ضد الجسد، هو نتيجة المبالغة فى إكرام الروح! ولكن لا يجوز فى إكرام الروح، أننا نهبط بمستوى الجسد حتى أننا نسلبه كل حقوقه! فالجسد له ما له، وعليه ما عليه، وكذلك الروح. كما أن الأخطاء المنسوبة إلى الجسد، هى منسوبة فقط إلى غرائزه إذا أسئ استخدامها... وما أسهل استخدام كل هذه الغرائز فى طريق الخير... كما لا يصح فى الحكم على الجسد، أننا نركز على السلبيات فقط، بينما نتجاهل الايجابيات وهى ذات تفاصيل عديدة... والمعروف أن غالبية النساك الحقيقيين، ما كانوا فى كل تداريبهم الروحية، يهدفون إلى تعذيب الجسد، بل إلى توجيهه روحياً.. والى تهذيب غرائزه وليس قتلها... vإننا بالجسد يمكننا أن نخدم الله، وأن نخدم الناس، ونفعل الخير بالجسد نركع ونسجد، ونعبد الله، ونرفع أيدينا فى الصلاة، ونحنى هاماتنا أمام الله. ونعبّر عن خشوع الروح بواسطة خشوع الجسد. وبالجسد نصوم، ونقدم أجسادنا ذبيحة لله. وبالجسد ندخل إلى أماكن العبادة، ونستمع فيها إلى كلمة الله ووصاياه على أفواه الواعظين... وكل مشاعر العبادة التى هى داخل القلب، نعبّر عنها بالجسد... وبالجسد أيضاً نفعل الخير، ونخدم الناس. به نمشي ونذهب إلى أماكن المرضى ونزورهم. وبه نمد أيدينا ونعطي للمحتاجين والفقراء. وبه نعقد كل الاجتماعات التي تبحث كل ما يؤول إلى خير المجتمع. وبه نجلس مع الفقراء ونبحث مشاكلهم. وبه نربت بأيدينا على الأطفال، ونقدم لهم عطفاً وحناناً. وكل عواطف القلب نؤيدها بواسطة الجسد. ومن إهتمام البشر بالجسد، كل ما يبذلونه من جهد في علاجه من مرضه والعمل على إراحته من تعبه، والعمل على العناية بصحته، وعلى تقديم ألوان من الأنشطة له في النوادي وغيرها. ومن اهتمام الله بالجسد، قيامة الجسد بعد موته، وحفظه سالماً إلى الأبد، وتهيئة مكان له في الأبدية السعيدة...ولو كان الجسد مصدراً لكل خطية، ما كان الله يقيمه في اليوم الأخير، ليحيا في الأبدية حياة لا خطية فيها... ومن إهتمامنا بالأجساد، إحتفاظنا برفات الأبرار والقديسين كذكرى باقية بعد موتهم، وللتبرك بها أيضاً. وكذلك ما نقيمه لهذه الأجساد من تماثيل تعمر بها الميادين، وكلها تخليد ذكرى أصحابها، ولاحتفاظ التاريخ بها، فلا تُنسى.. وأيضاً ما يحتفظ به غالبية الناس من صور لأحبائهم، سواء منهم الأحياء أو الذين انتقلوا من هذا العالم. وكلها صور للأجساد وليس للأرواح..لكي بصورة الجسد يتذكرون حياتهم وسيرتهم. وكذلك الاحتفاظ بصور الشخصيات الشهيرة... أيضاً التحنيط.. أليس هو دليلاً آخر على الاهتمام بالأجساد، ولو لحفظها لرجوع الروح والاتحاد بها، حسب عقيدة قدماء المصريين أما بدعة حرق الأجساد (التي لا نؤمن) فقد بدأت ببدعة أخرى هى (عودة التجسد) Reincarnation وبها يولد الإنسان مرة أخرى في جسد جديد، ويظل ينتقل في ولادات متتابعة، وفي تجسدات متعددة، إلى أن ينحل من الجسد بإتحاد روحه في الملأ الأعلى، بما يعرف عند الهنود بحالة النرفانا. والذين يعتقدون بهذا الأمر لا يهمه الجسد الحالي في شئ، مادام بعد موته ستحل روحه في جسد آخر. ولذلك كانوا يحرقون أجسادهم، ثم يحتفظون بجزء من رمادها في قارورة صغيرة، كتذكار.. وقد رأيت هذا بنفسي في إحدى مدن الشرق الأوسط. زعيم الهند المهاتما غاندي الذي كانوا يقدسونه للغاية، حرقوا جسده أيضاً وألقوا رماده في النهر ليباركه بقيت نقطة أخيرة يلزم أن أقولها في أهمية الجسد وهى أهمية الجسد في التناسل، وتتابع الأجيال فلولاه ما بقى أحد من البشر من أبناء آدم وحواء!!
الخميس، 3 سبتمبر 2009
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق