بقلم: قداسة البابا شنودة الثالث
كما أنه توجد في العلم تخصصات, هكذا أيضا في أعمال الشياطين تخصصات متعددة يتقدمها إخصائيون من الشياطين, لهم بها معرفة وخبرة.. نذكر من بينها:
(1) شيطان متخصص في التخدير: ذلك أنه حينما يكون الانسان متيقظا ومتنبها لخلاص نفسه, صاحيا عقلا وروحا, فإنه من الصعب أن يسقط. وهكذا قال أحد الآباء إن الخطية يسبقها إما الشهوة أو الغفلة أو النسيان. فهذه الحالة الأخيرة, حالة الغفلة والنسيان, هي تخدير من الشيطان للانسان. بالتخدير ينساق الشخص إلي الخطية, كأنه ليس في وعيه, يخدره الشيطان بحيث ينسي كل شيء ما عدا الخطية, فتكون كل حواسه وأفكاره ومشاعره مركزة في الخطية وحدها. وأما كل ما عداها فلا يحس به الانسان إطلاقا, كأنه قد نسيه تماما!
نسي علاقته بالله. وينسي كل وصايا الله, وينسي مبادئه واحتراسه. وينسي وعوده لله وتعهداته, وينسي نقاوة قلبه. وينسي أيضا نتائج الخطية عليه وعلي غيره, وينسي عقوبات الله وإنذاراته. ويكون كأنه مخدر تماما, لا يعرف إلا الخطية. ولا يفيق إلا بعد السقوط, حينما يكون كل شيء قد انتهي!!
وقد يفيق الانسان بعد الخطية مباشرة, وربما بعد مدة طويلة. فيهوذا مثلا لم يفق إلا بعد فوات الفرصة..
وهناك من يفيق من تخديره فيتوب. وهناك من يفيق, فيصاب بصغر نفس أو قد ييأس.. لذلك هناك نصيحتان أقدمهما لك, إذا خدرك الشيطان:
الأولي: أن تفيق بسرعة, وهذا لا يتوافر إلا إذا كان قلبك من الأصل محبا للفضيلة. واحذر من أن تستمر مخدرا بالخطية إلي أن تصبح عادة! أو أن تصحو من تخديرك بعد أن تكون قد وصلت إلي نتائج سيئة جدا..
والنصيحة الثانية: هي أنك حينما تفيق, إنما تفيق إلي توبة حقيقية وسريعة, وليس إلي يأس أو صغر نفس. واستخدم الندم وإنسحاق القلب لنفعك الروحي.
(2) شيطان الخجل: إن الخجل يكون فضيلة إذا أحسن الانسان استخدامه. ولكن الشيطان كثيرا ما يستخدمه بطريقة تساعد علي السقوط.
كإنسان كان جالسا وسط أناس, وبدأوا يتكلمون كلاما رديئا من الناحية الأخلاقية, أو يتحدثون بالسوء في سيرة شخص ما, له مكانته ويشهرون به, أو يسردون قصصا غير لائقة.. وهذا الانسان الجالس بينهم لم يكن يتوقع كل هذا. فيفكر أن يتركهم وينسحب. ولكن شيطان الخجل يمنعه ويستمر في البقاء. أو أنه يفكر أن يقول لهم: هذا الحديث لا يليق. ولكن شيطان الخجل يمنعه. فيستمر جالسا يستمع. ويمتليء عقله بأفكار ما كان يجب أن تجول بذهنه.
وأحيانا أخري يدفعه شيطان الخجل إلي أن يوقع علي تزكية لا يوافق عليها ضميره. وذلك خجلا من الشخص المزكي!
أو يوقع علي بيان أو قرار, هو في أعماقه غير راض عنه! أو يشترك في مدح إنسان لايستحق ذلك.. وإن حاول أن يمتنع عن كل ذلك, يدفعه شيطان الخجل!
وقد يجعل الشيطان فتاة تخجل من ملابسها المحتشمة, بحجة أن التيار العام ضد ذلك! وبالمثل قد يجعل شابا متدينا يرفض سيجارة يقدمها إليه زميل أو أستاذ له, بحجة عدم جرح شعوره!
وكم من خطايا يقع فيها الانسان بسبب شيطان الخجل..!
والمفروض أن يرفض المتدينون هذا الخجل, أو يجدوا سببا يبعدون به عن الاحراج بلباقة. أو أن يكون الشاب المتدين قوي الشخصية يستطيع أن يدافع عن موقفه الروحي بإقناع الآخرين. أو علي الأقل يبعد تماما عن الصحبة أو المناسبات التي تعرضه لشيطان الخجل.
والعجيب أن الروحيين يخجلون أحيانا من تدينهم, بينما تكون للخاطئين جرأة وجسارة في التباهي بأخطائهم.
(3) شيطان الوقت الضائع: الذي يضيع وقته في تفاهات, بلا أدني فائدة روحية أو عقلية أو صحية, وبلا فائدة للآخرين.
لايهم الشيطان أن ترتكب خطية في هذا الوقت, بل يكفيه أن هذا الوقت يضيع بينما هو جزء من عمرك!
والأمثلة كثيرة لهذا الوقت الضائع, ومنها: أحاديث قد تطول بالساعات في موضوعات لا فائدة لك منها, وتكون بلاحجة. ومجادلات ومناقشات لاجدوي منها سوي تعب الأعصاب وضياع الوقت. وزيارات وسهرات وترفيهات زائدة علي الحد. ومسليات تأخذ كل الوقت, وتعطل إيجابيات مهمة في حياتك مثل جلوس البعض في المقاهي, والكلام وقتل الوقت.. وطبيعي أن الذي يقبل ضياع وقته, تكون حياته رخيصة في عينيه..
(4) شيطان التأجيل: إن الشيطان يريد بكل جهده ان يمنعك من كل أعمال البر. فإن وجدك مقدما علي عمل فضيلة معينة, لايمنعك عنها صراحة لئلا يكشف نفسه, وإنما يدعوك إلي التأجيل.
يقول لك: لماذا الاسراع؟ الأمر في يدنا نستطيع أن نعمله في أي وقت. ربما التريث يعطينا فرصة لفحص الأمر بطريقة اعمق, أو لاختيار أسهل السبل للوصول إليه, أو يعطينا مزيدا من الاقتناع.. علي أية الحالات عندنا بعض أمور مهمة حاليا, ما إن ننتهي منها, حتي نقوم بعمل هذا البر..
والمقصود بالتأجيل هو إضاعة الحماس للعمل, أو إضاعة الفرصة, أو ترك الموضوع, فرصة لعلك تنساه, أو يحدث ما يغطي عليه. كأن تأتيك مشغولية كبيرة تأخذ كل اهتمامك ووقتك, أو يحدث حادث يعطلك, أو تبدو عوائق معينة تعرقل التنفيذ, أو يلقي الشيطان في طريقك بخطية تقترفها, فتفتر حرارتك الروحية, فلا تنفذ ما كنت تنوي عمله من أعمال البر. يا أخي, ربما هي إحدي زيارات النعمة تدعوك. فإن أنت أجلت العمل, ضاع تأثيرها. إن الفرصة حاليا في يدك, فاعمل ما تريده من الخير, ولا تؤجل. لأن التأجيل قد يكون خطوة إلي الالغاء, يعرضها الشيطان بلباقة منه.
إن كنت مقبلا علي عمل من أعمال الرحمة, فاستمع إذن إلي قول سليمان الحكيم: لا تمنع الخير عن أهله حين يكون في طاقة يدك أن تفعله. لا تقل لصاحبك: ارجع فأعطيك غدا, وموجود عندك. كذلك إن دعاك صوت في داخلك أن تتوب, فلا تؤجل التوبة, لعلك لا تجد ما يدفعك إليها فيما بعد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق