الاثنين، 20 أكتوبر 2014

التشجيع سر بناء النفوس

التشجيع هو فن بناء النفوس الأول.. فهو سر غرس الأمل فى النفوس ووضع الرجاء فى القلوب. بدون التشجيع تموت النفوس مثل النبات عندما يحوم من الماء.. يقول وليم جيمس العالم النفسى المشهور "إن اعمق مبدأ متأصل فى الطبيعة البشرية هو رغبة الإنسان فى أن يلقى التقدير" ويقول كذلك مارك توين "أستطيع أن أعيش شهرين على كلمة إطراء جيدة".
من هنا كانت المسيحية دعوة للتشجيع والتقدير.. فهى تدعو الأب لتشجيع أولاده، والزوج لتشجيع شريك الحياة، والصديق أو الأخ أو المدير أو العامل لتشجيع كل إنسان وأى إنسان فى أى وقت وفى كل وقت. 
ماذا لو غاب التشجيع؟
هل يمكن ان تتصور ماذا يحدث فى الحياة من أب أو زوج او انسان يحول لينشر الاحباط والفشل والتحطيم النفسى للنفوس؟
هاك النتيجة!!
1- تدمير الأولاد:
يحكى لنا الكتاب المقدس عن "مفيبوشث" بن يوناثان بن شاول... فقج حملته مربيته المهملة وهربت بسرعة عند سماعها خبر موت شاول، فسقط الولد الصغير فصار أعرج.. هذا هو الاثر المباشر للتربية المتسلطة الساحقة، وغياب الحب والتشجيع: ابن اعرج، ليس على المستوى الجسدى بل على المستوى النفسى.
ماذا تنتظر من ابن حُرم من الحب والاعتبار؟
النتيجة نفس مجروحة، وعجز نفسى، وقرارات عرجاء، وشخصية ضعيفة هزيلة.
2- تدمير الأسرة:
يحكى لنا الكتاب عن ميكال زوجة داود التى ارتبطت به بقصة حب كبيرة " وميكال ابنة شاول أحبت داود" (1صم 20:18).. ومع كل هذا الحب، استخدمت كلمات قاسية جارحة خاطبت بها داود الملك.. هل تعلم ماذا قالت للملك الكبير يوم رجوع تابوت العهد، يوم فرحته ووصوله لقمة نجاحه؟!
"ما كان اكرم ملك اسرائيل اليوم حيث تكشف فى أعين اماء عبيده كما يتكشف أحد السفهاء" (2صم20:6)، هل سمعت "داود من السفهاء"!! هكذا خاطبت ميكال داوج بدلاً من تشجعه وتقدره وتحترمه وترفع من شأنه.
والنتيجة؟!... اسمع قول الكتاب "ولم يكن لميكال بنت شاول ولد الى يوم موتها" (2صم 23:6).. وماذا يعنى هذا؟ يعنى انفصال ميكال عن زوجها.. لقد هدمت الكلمات القاسية الجارحة بيتها العامر، وهجرت الزوجة بيتها إذ فارقها داود الى غير رجعة!!.
هكذا تدمر الكلمات العاضبة الخالية من الحب والاعتبار بيوتنا..
3- تدمير العلاقات:
قصة ثالثة عن آثار الاحباط المدمرة.. كلمات قاسية قالها "شمعى بن جيرا" الذى يرتبط بدرجة قرابة من شاول،وألقاها بعنف على داود الملك وهو هارب من ابنه ابشالوم "أخرج يا رجل الدماء ورجل بليعال، كل دماء بيت شاول الذى ملكت عوضاً عنه وقد دفع الرب المملكة ليد أبشالوم بنك وها أنت واقع بشرك لأنك رجل دماء" (2صم 7:16-8).
ما أحوج داود فى هذا الوقت الى التشجيع والتعضيد!! فقد قام ابنه الكبير ابشالوم عليه، وقسم المملكة، وابتدأ حرباً أهلية لن تبقى على الأخضر ولا اليابس!!
ترى، أى وقت أخر يحتاج فيها الإنسان لكلمات السند والتقدير!! أليس فى هذا الوقت بعينه.. كان داود يتمنى كلمات مثل هذه:
"الرب معك يا جبار البأس" (قض 12:6).
"الله لنا ملجأ وقوة عوناً فى الضيقات وجد شديداً" (مز 1:46).
"تشجعوا أنا هو لا تخافوا" (مت 27:14).
لكن وبكل أسف، يأتى إليه "شمعى" فيلقى على جراحه جراح، ويزيد الامه الاماً مضاعفة..
وماذا حدث..؟ عبر الموقف بسلام اذ صفح عنه داوج فى وقتها "دعوه يسبلان الرب قال له سب داود" (2صم 10:16).
ولكن.. لم تنته القصة بعد... فقد مرت السنون الطويلة وأشرف داود على الموت، وبينما هو فى لحظاته الأخيرة، اذ به يتذكر الحادثى القديمة، القصة الجارحة والذكريات الآليمة التى سببها له "شمعى"، فنسمعه يقول لسليمان ابنه فى وصية الوداع "وهوذا معك شمعى بن جيرا البنيامينى... وهو لعنى لعنة شديدة يوم انطلقت الى محنايم.. والان فلا تبرره، وحدر شيبته بالدم الى الهاوية" (1مل 8:2-9).
هكذا عاش الجرح فى قلب داود، ولم يندمل الا بطلب النقمة والثأر!!
هل رأيت ماذا تفعل الكلمات القاسية!... إنها تعيش فى قلوب المجروحين والمتألمين، تطلب النقمة، ولا يموت أثرها ولو بعد سنوات وسنوات.
لماذا اذن نحيا كل هذا الاثار السيئة لكلمات الجرح والاحباط والهدم والتحطيم؟
لماذا نترك اولادنا فريسة لليأس؟ ولماذا نحطم عائلتنا بأيدينا؟ ولماذا نحى العداوةفى قلوب الناس ونتركها هناك تتكاثر وتتوالد لتصبح ثأراً وأنتقاماً؟ هنا يأتى المسيح، الحلو المشجع يأتى ليعلمنا ان نبنى لا نهدم، نرفع لا نحطم!!
نعم.. شجعوا صغار النفوس (1تس 14:5)
شجعوا يا أحبائى فالتشجيع سر بناء النفوس، سر الحب الباقى والرجاء المتكاثر..
الدكتور مجدي اسحق

ليست هناك تعليقات:

 

Hit Counter
Dating Site