نظام العالم وقوانين الطبيعة برهان قاطع علي وجود الله
نقول في قانون الإيمان:بالحقيقة نؤمن بإله واحد وهذه العبارة تنطوي علي حقيقتين:
الحقيقة الأولي:إننا نؤمن بوجود الله.والحقيقة الثانية:أن الله واحد.
ونتناول هنا الكلام عن وجود الله.
يقول العامة:الله لم يره أحد قط,ولكن الناس عرفوه بالعقل,وهذا صحيح بمعني أنه ليس في مقدور الإنسان وفي إمكاناته الحاضرة أن يشاهد لاهوت الله كما هو في حقيقته,ولكنه يمكن أن يحكم بعقله أن الله موجود وهو الذي أوجد العالم وخلقه من العدم.
ويقول الرب نفسه لموسي النبي عندما اشتهي أن يري الله:لا تستطيع أن تري وجهي لأنه لا يراني إنسان ويعيش (سفر الخروج33:20).وقال عنه ماربولس الرسول:الذي له وحده الخلود ساكنا في نور لا يدني منه,الذي لم يره أحد من الناس,ولا يقدر أن يراه (تيموثاوس الأولي6:16).
نعم نحن لا نقدر الآن أن نري الله ولكننا سنراه فيما بعد,عندما نترك هذا الجسد وهذه الحواس الجسدية المحدودة وهي الحواس الخمس:النظر والسمع والشم والذوق واللمس عن طريق العين والأذن والأنف واللسان واليد ونذهب إلي العالم الباقي بعد الموت.
أما ونحن في هذا الجسد الحاضر وبهذه الحواس المحدودة فلا نستطيع أن نري الله,لأنه إذا كنا لا نستطيع أن نري الأشياء البعيدة جدا,ولا نستطيع أن نسمع الأصوات من مسافات بعيدة,لأن عيوننا وآذاننا ليس في مقدورها ذلك,فبالأحري لا نستطيع أن نري الله بعيوننا.
لكننا نفهم بعقولنا أن الله موجود.
فأنت لا تري الهواء لكنك تؤمن بوجوده عندما يتحرك فيحرك الشباك أو الباب أو أوراق الأشجار أو يثير التراب في الجو.
فإذا أردت أن تري الله هنا في هذا العالم,فيمكنك أن تراه في مصنوعاته وخلائقه,وفي نظام الكون العجيب,وفي قوانين الطبيعة لأن كل هذه الأشياء تبرهن علي وجود إله ذي عقل جبار وضع كل شئ بحكمة ونظام وترتيب عجيب.
تأمل نجوم السماء وهي كثيرة جدا لا يحصيها العد,وكل نجم منها أكبر من الأرض التي نعيش عليها,ومع ذلك فهذه النجوم التي تزيد في عددها عن الملايين,تدور حولنا وتتحرك بسرعة هائلة,وعلي الرغم من أنها معلقة في الفضاء الواسع دون أعمدة تشدها ولا حبال تربطها لكنها ثابتة لا تسقط علي الأرض,ولا تصطدم ببعضها بعضا ولا تصطدم بالأرض,لأن الله الذي خلقها وضع لها مسارات محددة لا تتعداها ولا تتخطاها.
وتأمل كذلك الشمس التي تشرق علينا بنورها فتضئ الكون كله,وترسل لنا الحرارة والدفء اللازمين لحياة النبات والحيوان والإنسان,هي أيضا تبعد عن أرضنا بمسافة تبلغ نحو 93 مليون ميل.فلو أن هذه المسافة نقصت إلي 92 مليون ميل لاحترقت الأرض وما عليها بفعل حرارة الشمس المحرقة,ولو أن هذه المسافة زادت عن وضعها الحالي لتجمدت الأرض ومات الناس والحيوانات والنباتات من شدة برودة الأرض.ومعني ذلك أن الشمس تبعد الآن عن الأرض المسافة اللازمة لحفظ الحياة علي الأرض.وهذا يدل علي أن هذه المسافة هي من تدبير العقل الإلهي الذي يحكم الكون بحكمة عجيبة.
وتأمل أيضا هذه الشمس المشرقة كيف أن الأرض تدور حولها,ونتيجة لهذا الدوران تتكون فصول السنة الأربعة من ربيع إلي صيف إلي خريف إلي شتاء,كل منها يمتد إلي ثلاثة شهور كاملة.والربيع يجئ دائما في 23 مارس,والصيف في 21 يونيو والخريف في 23 سبتمبر والشتاء في 22 ديسمبر.وهذه الفصول تذهب وتجئ في كل عام في أوقاتها المحددة بلا تخلف,مما يدل علي أن حركة الأرض حول الشمس حركة منظمة,وبناء عليها يصير طول النهار كطول الليل في الاعتدال الربيعي (23 مارس) والاعتدال الخريفي (23سبتمبر),بحيث يصبح النهار 12 ساعة والليل مثله 12 ساعة.أما النهار في 21 يونيو فيبلغ 14 ساعة بينما الليل يبلغ 10 ساعات.والعكس في 22 ديسمبر,فيصير الليل 14 ساعة,والنهار 10 ساعات.
وتأمل القمر أيضا الذي يضئ علينا بالليل.وكيف يدور حول الأرض كل شهر دورة تكتمل في 28 يوما.تأمله وهو هلال صغير يكبر ضوؤه يوما فيوما إلي أن يبلغ في الرابع عشر من الشهر فيصير بدرا كاملا,ثم يأخذ في النقص حتي يصير إلي المحاق.كل هذا يحدث في كل شهر بنظام ثابت دقيق لا يتغير ولا يتبدل,مما يدل علي قوة جبارة وعقل كبير يحكمه,هو عقل الله الذي يملأ مجده السماوات والأرض.
وهذا القمر الذي يدور حول أرضنا يعكس علينا نور الشمس في الأوقات التي يختفي ضوؤه هنا,حتي لا نحرم من النور أثناء الليل,ألا يدلنا هذا علي رعاية الله لنا وعنايته بنا؟!
وهذا القمر يبعد عن أرضنا نحو 300.000 ميل أو علي الدقة 276.000 ميل وهو لذلك يحفظ وضع المحيطات والبحار في أماكنها.فلو أن القمر اقترب إلينا أكثر من وضعه الحالي فماذا كان يحدث؟ سوف يجذب المياه إليه,ويحدث نتيجة هذا مدا عظيما جدا,بحيث تخرج المياه من المحيطات والبحار وتغرق الأرض كلها فيموت الناس والحيوان ويموت النبات أيضا.ولكن قوة الله هي التي رسمت أن يبعد القمر عن الأرض مسافة معينة محدودة,هي المسافة التي تحفظ حياة البشر وحياة سائر الكائنات.
وتأمل النبات أيضا فماذا تري؟
ألا تري أن الأرض واحدة ومع ذلك تنبت عليها نباتات متنوعة من الحشائش والخضراوات والبقول والفواكه وكل نوع منها يتميز بمميزات خاصة يعرف بها,بحيث يمكن أن نقول أن هذه برتقالة وهذه بصلة وهذه جزرة وهذه بطيخة...إلخ لأن كلا منها له صفات معينة يتميز بها في حجمه وشكله ولونه وطعمه ورائحته.
خذ علي سبيل المثال الرمانة وتأمل تركيبها وفصوصها وكيف أن حباتها متجاورة بنظام هندسي خاص,تفصل بينها فواصل بيضاء رقيقة وتضمها جميعا قشرة من نوع خاص ولها صلابة خاصة وشكل خاص,تتميز به عن البرتقالة أو عن الكمثري أو عن جوز الهند أو الفجل أو الطماطم,ألا يدل هذا كله علي عقل عظيم صنع كل شئ بنظام وحكمة عالية؟
ثم انظر كيف أن كل نبات يمتص من الأرض الأملاح التي تناسبه وبالمقادير التي يحتاج إليها بالضبط,وهكذا يأخذ من الشمس النور والحرارة واللون والطعم والرائحة.
خذ مثلا التفاحة أو البطيخة أو واحدة من الطماطم,تجدها تمتص من التربة شيئا من السكر,وشيئا من الملح وشيئا من الكربون وغيره بمقادير معينة تختلف في التفاح عنها في البطيخ عنها في الطماطم,مما يدل علي أن هناك عقلا يحكم هذا التركيب الكيميائي.
وما نقوله عن النباتات نقوله عن الحيوانات ونقوله أيضا عن تركيب جسم الإنسان.
تأمل كيف يتألف من أعضاء كالعينين والأذنين والأنف والفم واليدين والرجلين,وتأمل تركيبه الداخلي كالقلب والرئتين والمعدة والأمعاء والكبد والكليتين إلي غيرها من الأعضاء الصغيرة والشرايين والأوردة والأعصاب والعضلات والعظام,كل منها مركب تركيبا فنيا يدل علي حكمة عالية وغاية سامية لصالح الجسم كله,وهي تتعاون معا في تآلف وانسجام تحت رقابة العقل الذي يشرف عليها ويوجهها.
خذ مثلا العينين وتأمل تركيبها وكيف تستقبل صور المرئيات من خلال عدستها,وفي سبيل الإبصار تتعاون أجزاؤها المختلفة,كالقرنية والقزحية والشبكية والعصب البصري.كل جزء منها يؤدي عملا يختلف عن الآخر.
وتأمل المخ وكيف يستقبل المعلومات والأخبار والمعارف المختلفة في شتي أنواع العلوم والدراسات,ومع ذلك تصير هذه المعلومات متميزة غير مختلطة بحيث يمكن للإنسان أن يسترجعها عندما يريد.
وهكذا قل عن الأذن التي تتألف من أذن خارجية وأذن وسطي وأذن داخلية وستة آلاف وتر,واللسان الذي يتألف من تسعة آلاف حلمة بعضها يختص بمذاق الأشياء الحلوة,وبعضها لتذوق الأشياء المرة,وبعضها الثالث لتذوق الأشياء الحذقة أو الحريفة,وتأمل الأسنان وعددها في كل إنسان اثنين وثلاثين سنة في كل فك أربعة قواطع لتقطيع الطعام ومضغه,نابان لتمزيقه,أربعة ضروس أمامية لمضغه,وستة ضروس خلفية لطحنه,وقل مثل ذلك في كل عضو من أعضاء الجسم,وفي كل جهاز من أجهزته المختلفة, ففي كل منها يبدو النظام والتوافق كما تبدو الحكمة العجيبة في تركيبه وفي عمله.
وبالإجمال إن التأمل في الطبيعة الجامدة والحية,النظر في السماوات والأرض,وما اشتمل عليه كل ذلك من نظام بديع,يدلنا علي وجود خالق حكيم,أبدع السماوات والأرض,بهندسة رائعة وفن عظيم ودقة كاملة.
لذلك قال سفر المزامير:السماوات تنطق بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه (مزمور18:1).
وجاء في سفر أيوب اسأل البهائم فتعلمك,وطيور السماء فتخبرك وكلم الأرض فتعلمك,وأسماك البحر تحدثك.من لا يعلم من كل هؤلاء أن يد الرب صنعت هذا (أيوب12:7).
ويقول القديس أوغسطينوس:سألت الأرض فأجابت لست أنا هو الله.سألت البحر وأعماقه وما فيه من زواحف وأحياء فأجابتني كلها:لست أنا الله.سألت النسيم العليل,والعاصفة العاتية,والهواء وما فيه من عناصر.فقيل لي أنت مخطئ أنا لست الله.سألت السماء والشمس والقمر والكواكب فأجابتني كلها لست أنا مطلبك,ناجيت جميع الخلائق التي تحيط بمنافذ حواسي الجسدية,فقالت لي إن الله ليس ههنا.إذن نبئيني أين هو؟ فصرخت كلها بصوت واحد:هو الذي صنعنا.
كتب في عام 1964 بقلم المتنيح : الأنبا غريغوريوس
نقول في قانون الإيمان:بالحقيقة نؤمن بإله واحد وهذه العبارة تنطوي علي حقيقتين:
الحقيقة الأولي:إننا نؤمن بوجود الله.والحقيقة الثانية:أن الله واحد.
ونتناول هنا الكلام عن وجود الله.
يقول العامة:الله لم يره أحد قط,ولكن الناس عرفوه بالعقل,وهذا صحيح بمعني أنه ليس في مقدور الإنسان وفي إمكاناته الحاضرة أن يشاهد لاهوت الله كما هو في حقيقته,ولكنه يمكن أن يحكم بعقله أن الله موجود وهو الذي أوجد العالم وخلقه من العدم.
ويقول الرب نفسه لموسي النبي عندما اشتهي أن يري الله:لا تستطيع أن تري وجهي لأنه لا يراني إنسان ويعيش (سفر الخروج33:20).وقال عنه ماربولس الرسول:الذي له وحده الخلود ساكنا في نور لا يدني منه,الذي لم يره أحد من الناس,ولا يقدر أن يراه (تيموثاوس الأولي6:16).
نعم نحن لا نقدر الآن أن نري الله ولكننا سنراه فيما بعد,عندما نترك هذا الجسد وهذه الحواس الجسدية المحدودة وهي الحواس الخمس:النظر والسمع والشم والذوق واللمس عن طريق العين والأذن والأنف واللسان واليد ونذهب إلي العالم الباقي بعد الموت.
أما ونحن في هذا الجسد الحاضر وبهذه الحواس المحدودة فلا نستطيع أن نري الله,لأنه إذا كنا لا نستطيع أن نري الأشياء البعيدة جدا,ولا نستطيع أن نسمع الأصوات من مسافات بعيدة,لأن عيوننا وآذاننا ليس في مقدورها ذلك,فبالأحري لا نستطيع أن نري الله بعيوننا.
لكننا نفهم بعقولنا أن الله موجود.
فأنت لا تري الهواء لكنك تؤمن بوجوده عندما يتحرك فيحرك الشباك أو الباب أو أوراق الأشجار أو يثير التراب في الجو.
فإذا أردت أن تري الله هنا في هذا العالم,فيمكنك أن تراه في مصنوعاته وخلائقه,وفي نظام الكون العجيب,وفي قوانين الطبيعة لأن كل هذه الأشياء تبرهن علي وجود إله ذي عقل جبار وضع كل شئ بحكمة ونظام وترتيب عجيب.
تأمل نجوم السماء وهي كثيرة جدا لا يحصيها العد,وكل نجم منها أكبر من الأرض التي نعيش عليها,ومع ذلك فهذه النجوم التي تزيد في عددها عن الملايين,تدور حولنا وتتحرك بسرعة هائلة,وعلي الرغم من أنها معلقة في الفضاء الواسع دون أعمدة تشدها ولا حبال تربطها لكنها ثابتة لا تسقط علي الأرض,ولا تصطدم ببعضها بعضا ولا تصطدم بالأرض,لأن الله الذي خلقها وضع لها مسارات محددة لا تتعداها ولا تتخطاها.
وتأمل كذلك الشمس التي تشرق علينا بنورها فتضئ الكون كله,وترسل لنا الحرارة والدفء اللازمين لحياة النبات والحيوان والإنسان,هي أيضا تبعد عن أرضنا بمسافة تبلغ نحو 93 مليون ميل.فلو أن هذه المسافة نقصت إلي 92 مليون ميل لاحترقت الأرض وما عليها بفعل حرارة الشمس المحرقة,ولو أن هذه المسافة زادت عن وضعها الحالي لتجمدت الأرض ومات الناس والحيوانات والنباتات من شدة برودة الأرض.ومعني ذلك أن الشمس تبعد الآن عن الأرض المسافة اللازمة لحفظ الحياة علي الأرض.وهذا يدل علي أن هذه المسافة هي من تدبير العقل الإلهي الذي يحكم الكون بحكمة عجيبة.
وتأمل أيضا هذه الشمس المشرقة كيف أن الأرض تدور حولها,ونتيجة لهذا الدوران تتكون فصول السنة الأربعة من ربيع إلي صيف إلي خريف إلي شتاء,كل منها يمتد إلي ثلاثة شهور كاملة.والربيع يجئ دائما في 23 مارس,والصيف في 21 يونيو والخريف في 23 سبتمبر والشتاء في 22 ديسمبر.وهذه الفصول تذهب وتجئ في كل عام في أوقاتها المحددة بلا تخلف,مما يدل علي أن حركة الأرض حول الشمس حركة منظمة,وبناء عليها يصير طول النهار كطول الليل في الاعتدال الربيعي (23 مارس) والاعتدال الخريفي (23سبتمبر),بحيث يصبح النهار 12 ساعة والليل مثله 12 ساعة.أما النهار في 21 يونيو فيبلغ 14 ساعة بينما الليل يبلغ 10 ساعات.والعكس في 22 ديسمبر,فيصير الليل 14 ساعة,والنهار 10 ساعات.
وتأمل القمر أيضا الذي يضئ علينا بالليل.وكيف يدور حول الأرض كل شهر دورة تكتمل في 28 يوما.تأمله وهو هلال صغير يكبر ضوؤه يوما فيوما إلي أن يبلغ في الرابع عشر من الشهر فيصير بدرا كاملا,ثم يأخذ في النقص حتي يصير إلي المحاق.كل هذا يحدث في كل شهر بنظام ثابت دقيق لا يتغير ولا يتبدل,مما يدل علي قوة جبارة وعقل كبير يحكمه,هو عقل الله الذي يملأ مجده السماوات والأرض.
وهذا القمر الذي يدور حول أرضنا يعكس علينا نور الشمس في الأوقات التي يختفي ضوؤه هنا,حتي لا نحرم من النور أثناء الليل,ألا يدلنا هذا علي رعاية الله لنا وعنايته بنا؟!
وهذا القمر يبعد عن أرضنا نحو 300.000 ميل أو علي الدقة 276.000 ميل وهو لذلك يحفظ وضع المحيطات والبحار في أماكنها.فلو أن القمر اقترب إلينا أكثر من وضعه الحالي فماذا كان يحدث؟ سوف يجذب المياه إليه,ويحدث نتيجة هذا مدا عظيما جدا,بحيث تخرج المياه من المحيطات والبحار وتغرق الأرض كلها فيموت الناس والحيوان ويموت النبات أيضا.ولكن قوة الله هي التي رسمت أن يبعد القمر عن الأرض مسافة معينة محدودة,هي المسافة التي تحفظ حياة البشر وحياة سائر الكائنات.
وتأمل النبات أيضا فماذا تري؟
ألا تري أن الأرض واحدة ومع ذلك تنبت عليها نباتات متنوعة من الحشائش والخضراوات والبقول والفواكه وكل نوع منها يتميز بمميزات خاصة يعرف بها,بحيث يمكن أن نقول أن هذه برتقالة وهذه بصلة وهذه جزرة وهذه بطيخة...إلخ لأن كلا منها له صفات معينة يتميز بها في حجمه وشكله ولونه وطعمه ورائحته.
خذ علي سبيل المثال الرمانة وتأمل تركيبها وفصوصها وكيف أن حباتها متجاورة بنظام هندسي خاص,تفصل بينها فواصل بيضاء رقيقة وتضمها جميعا قشرة من نوع خاص ولها صلابة خاصة وشكل خاص,تتميز به عن البرتقالة أو عن الكمثري أو عن جوز الهند أو الفجل أو الطماطم,ألا يدل هذا كله علي عقل عظيم صنع كل شئ بنظام وحكمة عالية؟
ثم انظر كيف أن كل نبات يمتص من الأرض الأملاح التي تناسبه وبالمقادير التي يحتاج إليها بالضبط,وهكذا يأخذ من الشمس النور والحرارة واللون والطعم والرائحة.
خذ مثلا التفاحة أو البطيخة أو واحدة من الطماطم,تجدها تمتص من التربة شيئا من السكر,وشيئا من الملح وشيئا من الكربون وغيره بمقادير معينة تختلف في التفاح عنها في البطيخ عنها في الطماطم,مما يدل علي أن هناك عقلا يحكم هذا التركيب الكيميائي.
وما نقوله عن النباتات نقوله عن الحيوانات ونقوله أيضا عن تركيب جسم الإنسان.
تأمل كيف يتألف من أعضاء كالعينين والأذنين والأنف والفم واليدين والرجلين,وتأمل تركيبه الداخلي كالقلب والرئتين والمعدة والأمعاء والكبد والكليتين إلي غيرها من الأعضاء الصغيرة والشرايين والأوردة والأعصاب والعضلات والعظام,كل منها مركب تركيبا فنيا يدل علي حكمة عالية وغاية سامية لصالح الجسم كله,وهي تتعاون معا في تآلف وانسجام تحت رقابة العقل الذي يشرف عليها ويوجهها.
خذ مثلا العينين وتأمل تركيبها وكيف تستقبل صور المرئيات من خلال عدستها,وفي سبيل الإبصار تتعاون أجزاؤها المختلفة,كالقرنية والقزحية والشبكية والعصب البصري.كل جزء منها يؤدي عملا يختلف عن الآخر.
وتأمل المخ وكيف يستقبل المعلومات والأخبار والمعارف المختلفة في شتي أنواع العلوم والدراسات,ومع ذلك تصير هذه المعلومات متميزة غير مختلطة بحيث يمكن للإنسان أن يسترجعها عندما يريد.
وهكذا قل عن الأذن التي تتألف من أذن خارجية وأذن وسطي وأذن داخلية وستة آلاف وتر,واللسان الذي يتألف من تسعة آلاف حلمة بعضها يختص بمذاق الأشياء الحلوة,وبعضها لتذوق الأشياء المرة,وبعضها الثالث لتذوق الأشياء الحذقة أو الحريفة,وتأمل الأسنان وعددها في كل إنسان اثنين وثلاثين سنة في كل فك أربعة قواطع لتقطيع الطعام ومضغه,نابان لتمزيقه,أربعة ضروس أمامية لمضغه,وستة ضروس خلفية لطحنه,وقل مثل ذلك في كل عضو من أعضاء الجسم,وفي كل جهاز من أجهزته المختلفة, ففي كل منها يبدو النظام والتوافق كما تبدو الحكمة العجيبة في تركيبه وفي عمله.
وبالإجمال إن التأمل في الطبيعة الجامدة والحية,النظر في السماوات والأرض,وما اشتمل عليه كل ذلك من نظام بديع,يدلنا علي وجود خالق حكيم,أبدع السماوات والأرض,بهندسة رائعة وفن عظيم ودقة كاملة.
لذلك قال سفر المزامير:السماوات تنطق بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه (مزمور18:1).
وجاء في سفر أيوب اسأل البهائم فتعلمك,وطيور السماء فتخبرك وكلم الأرض فتعلمك,وأسماك البحر تحدثك.من لا يعلم من كل هؤلاء أن يد الرب صنعت هذا (أيوب12:7).
ويقول القديس أوغسطينوس:سألت الأرض فأجابت لست أنا هو الله.سألت البحر وأعماقه وما فيه من زواحف وأحياء فأجابتني كلها:لست أنا الله.سألت النسيم العليل,والعاصفة العاتية,والهواء وما فيه من عناصر.فقيل لي أنت مخطئ أنا لست الله.سألت السماء والشمس والقمر والكواكب فأجابتني كلها لست أنا مطلبك,ناجيت جميع الخلائق التي تحيط بمنافذ حواسي الجسدية,فقالت لي إن الله ليس ههنا.إذن نبئيني أين هو؟ فصرخت كلها بصوت واحد:هو الذي صنعنا.
كتب في عام 1964 بقلم المتنيح : الأنبا غريغوريوس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق