الأربعاء، 8 أكتوبر 2008

في الميلاد رسالة


ظلت البشرية آلاف السنوات في انتظار المسيا المنتظر ، فلقد كان العالم يعانى من الفقر الروحي الشديد، ويحيا تحت وطأة الخطية، إلى أن جاء عيد الميلاد المجيد حيث بدد الظلمة وأشرق النور، وأعلنت السماء البشرى السعيدة: " المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة" (لو2: 14)لقد بدأت رحلة خلاص البشرية من سلطان الموتلقد أعطى عيد الميلاد المجيد للبشرية الأمل في إتمام وعد الله بأن نسل المرأة سيسحق رأس الحية، لذلك فإن ميلاد السيد المسيح يتميز بصفات كثيرة ، فهو :
1- ميلاد مجيد
2- ميلاد سعيد
3- ميلاد فريد
مع أنَّ أيام العيد تشرق الشمس فيها وتغيب كغيرها من الأيام. ومع ذلك فهي تُحْيي في القلوب ذكرى عطرة لحدثٍ هام وعزيز. والذكرى كما نراها، تعمل عمل ساعي البريد، تدق باب بيتك في لحظةٍ من الزمن وتسلمك رسالة وتذهب، وقد تترك في نفسك أثراً يترتَّبُ عليه اتخاذ قرارٍ ما!... وقد تمرّ المناسبة دون أن تحرّك بك ساكناً.
ما هي الرسالة التي يحملها هذا الساعي الجديد الذي سيقرع باب بيتك وتسمّيه عيد الميلاد، أو السنة الجديدة؟ هل تصرّ على البقاء كما أنت؟! أو تنوي التغيير؟ اغتنم الفرصة وتغيَّر عما أنت فيه للأفضل، فعيد الميلاد الذي يتكرر كلّ عام ما جاء للتسلية، بل هو يحمل لكَ ولكِ رسالة للتغيير. وتذكَّر معي أن رسالة الميلاد جاءت من فوق، من السماء. فصاحب الميلاد هبط من عرش السماء وسكن أحشاء العذراء المباركة لحكمةٍ هو يعرفها. فحينَ بشَّرَ الملائكة رعاة الأغنام في ليلة الميلاد جاءوا برسالة، والرسالة تستحق الانتباه، وهي تعطيك الفرصة لتدخلَ العام الجديد بثوبٍ جديدٍ وقرارٍ جديدٍ إعلاناً منك على أنك قبلت التغيير لتبدأ سنة جديدة بأفضل من السابق.
ففي الميلاد الله قد زارَ الأرض. ومع أنَّ صفات الله تباركَ اسمه صفات مجيدة وجليلة في كمال مطلق، إنما بالميلاد تُسَلَّطُ الأضواءُ على صفة المحبة في الذات الإلهية فَتُبرزها بأحلى وأقدس معانيها، لأن بالميلاد الله زارنا، فهو أحبنا وجاء ليعبّر عن حبه للبشرية.
في ما سبق من أزمنة، كانت معاملات الله مع خلائقه من الناس تصلهم بوكالة أنبيائه، فينوب عنه الأنبياء في توصيل الحقائق للناس دون اتصال مباشر بينه وبين خلائقه من البشر. فقام الأنبياء كلٌ في زمانه وحملَ الأمانة وأوصلها للجموع، ولذلك تتكرر العبارة على ألسنة أنبياء التوراة، كلما جاء أحدهم برسالةٍ ليبلغها للشعب فيقول: "هكذا قال الرب". وبقي الناس يتلقّون أوامر النَّهي والتَّحليل والتَّحريم من أفواه الأنبياء، كما أمرهم الله دون أن تكون لدى الناس فكرة واضحة عن الله سوى أنه عظيمٌ، مهوبٌ، جبارٌ، قديرٌ، ديّانٌ، منتقمٌ، لا يُدنى منه!... وبقي بين الله والناس حجابٌ فاصلٌ، لا يحق للشعب من غير الأنبياء اختراقه أو تجاوزه، إلى أن جاء المسيح، وبالمسيح تقابل الطرفان الله والإنسان في وجه يسوع المسيح. فبميلاد المسيح دخلت البشرية في نقلةٍ جديدةٍ في علاقة الاتصال بينها وبين الله، إذ بالميلاد جاء الله وظهر بين خلائقه بهيئة المسيح القدوس، وتحدَّث إليهم عن قرب، فساكنهم وعاشَ بينهم وأظهر حبّه لهم ومراحمه وإحساناته دون وساطةٍ، لا من ملائكة ولا من أنبياء. وبهذا يكون دور الأنبياء قد انتهى وصار الله هو سيّد الموقف يمكن التعامل معه مباشرة من خلال المسيح.
هكذا شاء الله، وهكذا صار، وحين يشاء الله أمراً لا اعتراضَ على حكمهِ. ثمّ وأثناء وجود الله متجسداً بهيئة بشر بهذه الصورة المحيّرة للكثيرين، قدَّم الله للأجيال البشرية تجسيداً عملياً لكلّ المُثـُل والمعايير السامية التي يتطلبها هو في سلوك المؤمن السويّ، إذ قدّم المسيح أثناء فترة تجسده على الأرض صورة مثالية لجمال الحياة الروحية، فقام هو في مقامِ المؤمن الملتزم بأنظمة الله وتعاليمه من صلاةٍ وصومٍ وحبٍّ للخير ومسالمةٍ للناس.
في الميلاد الله زار أرضنا وظهر بيننا بهيئة إنسان. ومَنْ يمنعُهُ من أن يأخذ جسداً يخفي خلفه جلال مجده؟! ولأن الإنسان لا يقوى على المثول أمام جلال الله، أصبح جسد المسيح هو الحجابُ الذي كلمنا الله من ورائه. لأن الله لا يكلّم إنساناً إلا من وراءِ حجابٍ. والحجابُ هنا كان جسد المسيح الذي به جاء، ووُلدَ، وتألم، وصُلب، ومات كإنسانٍ، لكنه قام أيضاً وغلب الموت، وصعد إلى السماء، المقرّ الدائم لجلاله. فالتجسّد لم يُنْقص من جلال الله، وبتجسُّده لم يترك عرشه في سمائه، ولا سهت عينه عن زاويةٍ من زوايا كونِهِ الفسيح، ولا غابت عينه عن أيِّ جزءٍ من عالمِهِ المنظور وغير المنظور، فالله هو الله لا يتغير ولا يتبدَّل، إنما هو شاءَ لغرضٍ جاء من أجله أن يظهرَ بين خلائقه من وراء حجاب جسد المسيح المنظور، وبنفس الوقت بقي هو مالئ السماوات والأرض، وبَقِيَ هو الحيُّ القيُّوم والحكيم المقتدر الذي لا حدودَ لسلطانه.
ميلاد يسوع لماذا وكيف كان ومتى؟
ميلاد ربنا يسوع كان من أجل فداء آدم وبنيه، وكلنا نعلم قصة أبينا آدم وكيف تعدى وصية الله وكيف سقط واستحق حكم الموت وكان لابد له من أن يموت بحسب عدل الله، ولكن ولأن موته كان ضد رحمة الله ومحبته كما أن عدم موته كان ضد عدل الله فقد دبر الله بحكمته تجسد الإله الكلمة الذي كان في البدء مع الله وكان هو الله... ومن أجل تجسد الكلمة فقد أعد روح الله القدوس سيدتنا كلنا السيدة العذراء مريم إذ حل عليها وطهرها وقدسها وملأها نعمة وقد استحقت أن يولد منها ربنا يسوع الإله الكلمة مشاركاً لنا في طبيعتنا مشابهاً لنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها، وقد مات بالجسد عنا وبذلك تم فداء آدم ووفى عنه حكم الموت وبه أيضاً تحققت الرحمة وتجلت قوة الله لأن موت آدم كان أيضاً ضد قوة الله كما قال القديس أثناسيوس الرسولي. ولما كان هذا الأمر مقرراً ومعداً ومهيئاً من قبل كل الدهور فقد وعد الله أبونا الأولين بعد سقوطهما بأن نسل المرأة يسحق رأس الحية أي الشيطان الذي أغواهما كما أنه له المجد قد ألبسهما جلداً كان دون ريب من ذبيحة وكان أول رمز للفداء. ومن ثم توالت الرموز والإشارات ونبوات الأنبياء وانتظرت البشرية سنين طويلة "وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُوداً تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ." (غلاطية 4 : 4 ، 5) وكلمة أرسل دلالة على أن الابن كائن مع الآب والروح القدس منذ الأزل... وحدانية في ثالوث وثالوث في وحدانية... هذا هو إيماننا، وما إرساله سوى ظهوره دون انفصال عن جوهر الآب وقد قال له المجد:"اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ " (يوحنا 14 : 9) وأيضاً "أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ (يوحنا 10 : 30) وعن ظهوره في ملء الزمان أي في كمال الوقت فقد تكلم عنه الآباء والأنبياء في جميع أسفار العهد القديم وكمثال يقول داود النبي عن نزوله وتجسده "طَأْطَأَ السَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ " (مزمور 18 : 9) وعن ميلاده من عذراء "هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ».(الله معنا)"(إشعياء 7 : 14) وعن مكان ميلاده "أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمَِ أَفْرَاتَةَ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ" (ميخا 5 : 2) وعن موعد ميلاده "فَاعْلَمْ وَافْهَمْ أَنَّهُ مِنْ خُرُوجِ الأَمْرِ لِتَجْدِيدِ أُورُشَلِيمَ وَبَنَائِهَا إِلَى الْمَسِيحِ الرَّئِيسِ سَبْعَةُ أَسَابِيعَ وَاثْنَانِ وَسِتُّونَ أُسْبُوعاً يَعُودُ وَيُبْنَى سُوقٌ وَخَلِيجٌ فِي ضِيقِ الأَزْمِنَةِ."(دانيال 9 : 25) وعن هدايا المجوس له "مُلُوكُ تَرْشِيشَ وَالْجَزَائِرِ يُرْسِلُونَ تَقْدِمَةً. مُلُوكُ شَبَا وَسَبَأٍ يُقَدِّمُونَ هَدِيَّةً" (مزمور 72 : 10) وعن أنه من سبط يهوذا "لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ (المسيح)وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ." (تكوين 49 : 10) وعن أنه ابن الله "لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً مُشِيراً إِلَهاً قَدِيراً أَباً أَبَدِيّاً رَئِيسَ السَّلاَمِ. " (تكوين 9 : 6) وعن هروبه إلى مصر "هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ" (إشعياء 19 : 1) وعن رجوعه من مصر "َمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي" (هوشع 11 : 1). هذا بعض ما جاء من نبوات تتحدث بوضوح عن ربنا يسوع المسيح ويطول بنا الوقت لو تحدثنا عن كل ما جاء عنه في كل مراحل حياته على الأرض. وقد كان كل هذا من أجل تهيئة الأذهان لاستقباله ومع هذا فقد كانت القلوب غليظة ود أغلقت الأبواب في وجهه ولم يجد أمامه سوى المزود. نسأل الله أن لا نكون نحن عندما نحتفل بميلاده مثل هؤلاء وأن نفتح له أبواب قلوبنا حتى يدخل يتعشى معنا ونحن معه .

ليست هناك تعليقات:

 

Hit Counter
Dating Site