ليس كل ما يصل الي أذنيك هو صدق خالص, فلا تتحمس بسرعة لكل ماتسمع ولا تتخذ إجراء سريعا لمجرد كلام سمعته من انسان ما بل تحقق أولا, واعرف أن كثيرا من الكلام يقطع رحلة طويلة قبل أن يصل الي اذنيك.** صدق الحكيم الذي قال لاتصدق كل مايقال, لهذا اجعل عقلك رقيبا علي اذنيك, وافحص كل ماتسمعه, ولاتصدق كل خبر, لئلا تعطي مجالا للوشاة والكاذبين, ولمن يخترعون القصص, ولمن يؤلفون الأخبار, ولمن يدسون ويشهدون شهادة زور, كل هؤلاء يبحثون عن انسان سهل يصدقهم, وقد قال عنهم أمير الشعراء أحمد شوقي.قد صادفوا أذنا صفواء لينة فأسمعوها الذي لم يسمعوا أحد.** نعم لو كنا نعيش في عالم مثالي, أو في وسطه الملائكة, لأمكنك حينئذ أن تصدق كل ماتسمعه, ولا تتعب ذاتك في فحص الأحاديث ولكن مادام الكذب موجودا في العالم, ومادمنا نعيش في مجتمع توجد فيه ألوان من الناس يختلفون في نوع أخلاقياتهم, وفي مدي تمسكهم بالفضيلة, فإن الحكمة تقتضي إذن أن ندقق ونحقق قبل أن نصدق, وأن نفحص كل شئ ونتمسك بما هو حق.** ولكن قد يقول أحدهم إنني أصدق هذا الخبر علي الرغم من غرابته, لأنني سمعته من إنسان صادق لايمكن أن يكذب. نعم, قد يكون هذا الإنسان صادقا, ولكنه سمع الخبر من مصدر غير صادق, أو من مصدر غير دقيق. أو قد يكون الشخص الذي حدثك أو نقل الخبر إلي من حدثك, جاهلا بحقيقة الأمر, أو علي غير معرفة وثيقة أكيدة بما يقول.. أو قد يكون مبالغا أو مازحا أو مداعبا, أو ربما يكون قد أخطأ في السماع أو الفهم, أو أن المصادر التي استقي منها معلومات غير سليمة. أو ربما يكون المصدر الأصلي الذي أخذ عنه هذا وذاك غير خالص النية فيما يقول, وهناك أسباب شخصية تدفعه الي طمس الحقائق, أو الي الدس والإيقاع بين الناس, أو قد يكون من النوع الذي يتباهي بمعرفة الأخبار والسبق الي نشرها بين الناس فيقول مايصل اليه بسرعة دون تحقيق.. وقد يكون محبا للاستطلاع, يلقي الخبر ليعرف مامدي وقعه علي الناس.** ولكن ربما يقول القائل إني لم أسمع هذا الخبر من فرد واحد فقط, إنما من كثيرين, مما يجزم بصحته. فنقول إنه لايصح أن نحكم عن طريق السماع دون تحقيق, حتي لو سمعنا من كثيرين! فما أكثر مايكون كلام الكثيرين علي وفرة عددهم, له مصدر واحد مخطئ.. وما أكثر مما تتفق جماعة كبيرة من الناس علي كذب مشترك, وفي التاريخ أمثلة كثيرة عن هذا الأمر, وما أكثر ماتتفق مجموعة من شهود الزور علي أمر ما, وهكذا تفعل ايضا مجموعات من ناشري الشائعات.** إن وصية لاتشهد بالزور كما انها موجهة الي المتكلم, هي أيضا موجهة الي السامع, فالذي يسمع الكذب ويقبله, إنما يشجع الكاذب علي الاستمرار في كذبه, وبقبوله, يحيط نفسه بأناس مخطئين غير مخلصين.** وكذلك فإن ناقل الكذب يعتبر كاذبا, وشريكا في نشر الكذب, وقد يقع تحت هذا العنوان ايضا مروجو الشائعات الكاذبة, بل قد يقع في هذا الفخ, البسطاء الذين يصدقون كل مايسمعونه! ويتكلمون عنه كأنه حقيقة, دون فحص أو تدقيق, وفي الحقيقة لا نستطيع ان نسمي مثل هذه بساطة, لأن البساطة في جوهرها هي عدم التعقيد, وليس قلة الفهم أو البعد عن الحكمة والتدقيق.** اثنان يشتركان في خطية الكذب قابل الكذب, وناقل الكذب, وكلاهما يشتركان مع الكاذب الأصلي في نشر كذبه. وان كانت بعض المشاكل تتسبب أحيانا من نقل الكلام, فإن أقل الناس ضررا من ينقلون الكلام هو, كما يفعل جهاز تسجيل الصوت( الريكوردر) الأمين المخلص, الذي لايزيد شيئا علي ما قيل, ولاينقص, بل يعطي صورة دقيقة صادقة عما قيل. إنما بعض الأشخاص قد يسمع كلاما, فيتناوله ويضيف عليه رأيه الخاص ومفهومه الخاص, واستنتاجه واغراضه وظنونه, ويقدم كل ذلك معا لإنسان آخر, كأنه الكلام المباشر الذي سمعه ممن نطق به!!** كثير من الأخبار عندما تصل اليك, تكون أخبارا مختلفة جدا عن الواقع وسأضرب لذلك مثلا: مجرد خبر هو: حدث حوار ساخن بين صديقين في أحد الموضوعات, وصل هذا الخبر الي زميل لهما فقال وقد سمعت أن أحدهما جرح شعور صديقه أثناء الحوار جرحا غائرا, وأهانه إهانة شديدة ووصل هذا الكلام الي شخص آخر, فأضاف وطبيعي ان هذا الذي أهين قد غضب غضبا شديدا وتألمووصل الخبر الي شخص ثالث فقال وسمعت أيضا أنه قال بعد ذلك صديقي هذا هو خطيب اختي, فإن تزوجها سوف يهينها, كما أهانني, ويجعل حياتها مرا وعلقما ووصل هذا الكلام الي شخص رابع فأضاف وقد سمعت أنه ذهب الي أسرته محملا بهذه المشاعر, وحكي لهم كل شئ وهو متضايق ومتألم, وسمع هذا الكلام شخص خامس فقال وطبيعي أن أب هذه الأسرة قال في اجتماع عائلي نشكر الله الذي كشف لنا هذا الشخص العنيف قبل ان يتزوج ابنتنا, لاشك أنه اذا تم زواجه بها, سيجعل حياتها جحيما لايطاق, ووصل هذا الكلام الي شخص سادس فقال: ولابد انه في اجتماع الأسرة نوقش موضوع فك تلك الخطوبة.ووصل هذا الكلام الي شخص سابع, فأسرع ونشر خبرا في احدي المجلات بعنوان مأساة فتاة مخطوبة قال فيه حدثت مشاداة حامية بين صديقين, أدت الي خلاف بينهما, ثم بين اسرتيهما. وانتهي بفك الخطوبة التي بين أحدهما وأخت الأخر, وانتظروا التفاصيل بالأسماء في العدد المقبل.** حدث كل هذا بينما الصديقان اعتبرا حوارهما موضوعيا وليس شخصيا. وخرجا منه وهما في صفاء تام, دون ان يترك أي أثر سييء في نفسية أحدهما ضد الآخر, ولكن هكذا كانت رحلة الخبر عن حوارهما الساخن لذلك أقول مرة أخري, لاتصدق كل مايقال, بل حقق ودقق, قبل أن تصدق
بقلم: البابا شنوده الثالث
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق