الاثنين، 20 أكتوبر 2008

رحلة الخبر إلي أذنيك

ليس كل ما يصل الي أذنيك هو صدق خالص‏,‏ فلا تتحمس بسرعة لكل ماتسمع ولا تتخذ إجراء سريعا لمجرد كلام سمعته من انسان ما بل تحقق أولا‏,‏ واعرف أن كثيرا من الكلام يقطع رحلة طويلة قبل أن يصل الي اذنيك‏.‏‏**‏ صدق الحكيم الذي قال لاتصدق كل مايقال‏,‏ لهذا اجعل عقلك رقيبا علي اذنيك‏,‏ وافحص كل ماتسمعه‏,‏ ولاتصدق كل خبر‏,‏ لئلا تعطي مجالا للوشاة والكاذبين‏,‏ ولمن يخترعون القصص‏,‏ ولمن يؤلفون الأخبار‏,‏ ولمن يدسون ويشهدون شهادة زور‏,‏ كل هؤلاء يبحثون عن انسان سهل يصدقهم‏,‏ وقد قال عنهم أمير الشعراء أحمد شوقي‏.‏قد صادفوا أذنا صفواء لينة فأسمعوها الذي لم يسمعوا أحد‏.‏‏**‏ نعم لو كنا نعيش في عالم مثالي‏,‏ أو في وسطه الملائكة‏,‏ لأمكنك حينئذ أن تصدق كل ماتسمعه‏,‏ ولا تتعب ذاتك في فحص الأحاديث ولكن مادام الكذب موجودا في العالم‏,‏ ومادمنا نعيش في مجتمع توجد فيه ألوان من الناس يختلفون في نوع أخلاقياتهم‏,‏ وفي مدي تمسكهم بالفضيلة‏,‏ فإن الحكمة تقتضي إذن أن ندقق ونحقق قبل أن نصدق‏,‏ وأن نفحص كل شئ ونتمسك بما هو حق‏.‏‏**‏ ولكن قد يقول أحدهم إنني أصدق هذا الخبر علي الرغم من غرابته‏,‏ لأنني سمعته من إنسان صادق لايمكن أن يكذب‏.‏ نعم‏,‏ قد يكون هذا الإنسان صادقا‏,‏ ولكنه سمع الخبر من مصدر غير صادق‏,‏ أو من مصدر غير دقيق‏.‏ أو قد يكون الشخص الذي حدثك أو نقل الخبر إلي من حدثك‏,‏ جاهلا بحقيقة الأمر‏,‏ أو علي غير معرفة وثيقة أكيدة بما يقول‏..‏ أو قد يكون مبالغا أو مازحا أو مداعبا‏,‏ أو ربما يكون قد أخطأ في السماع أو الفهم‏,‏ أو أن المصادر التي استقي منها معلومات غير سليمة‏.‏ أو ربما يكون المصدر الأصلي الذي أخذ عنه هذا وذاك غير خالص النية فيما يقول‏,‏ وهناك أسباب شخصية تدفعه الي طمس الحقائق‏,‏ أو الي الدس والإيقاع بين الناس‏,‏ أو قد يكون من النوع الذي يتباهي بمعرفة الأخبار والسبق الي نشرها بين الناس فيقول مايصل اليه بسرعة دون تحقيق‏..‏ وقد يكون محبا للاستطلاع‏,‏ يلقي الخبر ليعرف مامدي وقعه علي الناس‏.‏‏**‏ ولكن ربما يقول القائل إني لم أسمع هذا الخبر من فرد واحد فقط‏,‏ إنما من كثيرين‏,‏ مما يجزم بصحته‏.‏ فنقول إنه لايصح أن نحكم عن طريق السماع دون تحقيق‏,‏ حتي لو سمعنا من كثيرين‏!‏ فما أكثر مايكون كلام الكثيرين علي وفرة عددهم‏,‏ له مصدر واحد مخطئ‏..‏ وما أكثر مما تتفق جماعة كبيرة من الناس علي كذب مشترك‏,‏ وفي التاريخ أمثلة كثيرة عن هذا الأمر‏,‏ وما أكثر ماتتفق مجموعة من شهود الزور علي أمر ما‏,‏ وهكذا تفعل ايضا مجموعات من ناشري الشائعات‏.‏‏**‏ إن وصية لاتشهد بالزور كما انها موجهة الي المتكلم‏,‏ هي أيضا موجهة الي السامع‏,‏ فالذي يسمع الكذب ويقبله‏,‏ إنما يشجع الكاذب علي الاستمرار في كذبه‏,‏ وبقبوله‏,‏ يحيط نفسه بأناس مخطئين غير مخلصين‏.‏‏**‏ وكذلك فإن ناقل الكذب يعتبر كاذبا‏,‏ وشريكا في نشر الكذب‏,‏ وقد يقع تحت هذا العنوان ايضا مروجو الشائعات الكاذبة‏,‏ بل قد يقع في هذا الفخ‏,‏ البسطاء الذين يصدقون كل مايسمعونه‏!‏ ويتكلمون عنه كأنه حقيقة‏,‏ دون فحص أو تدقيق‏,‏ وفي الحقيقة لا نستطيع ان نسمي مثل هذه بساطة‏,‏ لأن البساطة في جوهرها هي عدم التعقيد‏,‏ وليس قلة الفهم أو البعد عن الحكمة والتدقيق‏.‏‏**‏ اثنان يشتركان في خطية الكذب قابل الكذب‏,‏ وناقل الكذب‏,‏ وكلاهما يشتركان مع الكاذب الأصلي في نشر كذبه‏.‏ وان كانت بعض المشاكل تتسبب أحيانا من نقل الكلام‏,‏ فإن أقل الناس ضررا من ينقلون الكلام هو‏,‏ كما يفعل جهاز تسجيل الصوت‏(‏ الريكوردر‏)‏ الأمين المخلص‏,‏ الذي لايزيد شيئا علي ما قيل‏,‏ ولاينقص‏,‏ بل يعطي صورة دقيقة صادقة عما قيل‏.‏ إنما بعض الأشخاص قد يسمع كلاما‏,‏ فيتناوله ويضيف عليه رأيه الخاص ومفهومه الخاص‏,‏ واستنتاجه واغراضه وظنونه‏,‏ ويقدم كل ذلك معا لإنسان آخر‏,‏ كأنه الكلام المباشر الذي سمعه ممن نطق به‏!!‏‏**‏ كثير من الأخبار عندما تصل اليك‏,‏ تكون أخبارا مختلفة جدا عن الواقع وسأضرب لذلك مثلا‏:‏ مجرد خبر هو‏:‏ حدث حوار ساخن بين صديقين في أحد الموضوعات‏,‏ وصل هذا الخبر الي زميل لهما فقال وقد سمعت أن أحدهما جرح شعور صديقه أثناء الحوار جرحا غائرا‏,‏ وأهانه إهانة شديدة ووصل هذا الكلام الي شخص آخر‏,‏ فأضاف وطبيعي ان هذا الذي أهين قد غضب غضبا شديدا وتألمووصل الخبر الي شخص ثالث فقال وسمعت أيضا أنه قال بعد ذلك صديقي هذا هو خطيب اختي‏,‏ فإن تزوجها سوف يهينها‏,‏ كما أهانني‏,‏ ويجعل حياتها مرا وعلقما ووصل هذا الكلام الي شخص رابع فأضاف وقد سمعت أنه ذهب الي أسرته محملا بهذه المشاعر‏,‏ وحكي لهم كل شئ وهو متضايق ومتألم‏,‏ وسمع هذا الكلام شخص خامس فقال وطبيعي أن أب هذه الأسرة قال في اجتماع عائلي نشكر الله الذي كشف لنا هذا الشخص العنيف قبل ان يتزوج ابنتنا‏,‏ لاشك أنه اذا تم زواجه بها‏,‏ سيجعل حياتها جحيما لايطاق‏,‏ ووصل هذا الكلام الي شخص سادس فقال‏:‏ ولابد انه في اجتماع الأسرة نوقش موضوع فك تلك الخطوبة‏.‏ووصل هذا الكلام الي شخص سابع‏,‏ فأسرع ونشر خبرا في احدي المجلات بعنوان مأساة فتاة مخطوبة قال فيه حدثت مشاداة حامية بين صديقين‏,‏ أدت الي خلاف بينهما‏,‏ ثم بين اسرتيهما‏.‏ وانتهي بفك الخطوبة التي بين أحدهما وأخت الأخر‏,‏ وانتظروا التفاصيل بالأسماء في العدد المقبل‏.‏‏**‏ حدث كل هذا بينما الصديقان اعتبرا حوارهما موضوعيا وليس شخصيا‏.‏ وخرجا منه وهما في صفاء تام‏,‏ دون ان يترك أي أثر سييء في نفسية أحدهما ضد الآخر‏,‏ ولكن هكذا كانت رحلة الخبر عن حوارهما الساخن لذلك أقول مرة أخري‏,‏ لاتصدق كل مايقال‏,‏ بل حقق ودقق‏,‏ قبل أن تصدق
بقلم: البابا شنوده الثالث

ليست هناك تعليقات:

 

Hit Counter
Dating Site