هل يُعقَل أن يُنسَب لله حقد أو انتقام أو غضب مدمِّر أو شرّ أو قتل أو ما شابه ذلك؟ أإليه يعود إهلاك الأشرار؟ واستطراداً، هل يُلقيهم في جهنّم النار؟ هل نار العذاب من صنع الله؟ هل يُعذِّب الله الذين كفروا به؟ هل الموت من الله؟ هل المرض؟ هل الألم؟؟؟
هذه الأسئلة ومثيلاتها تستدعيها نصوص كتابية توحي أو تجاهر بها.
نبوءة إرميا، الإصحاح 3، الآيتان 12 و 13، توحي بحقد الله ولو لم يكن إلى الأبد. والمزمور الثالث والتسعون يقول صراحة: "الربّ إله الانتقام" (الآية الأولى). بغضبه ضرب السيّد الربّ أورشليم، كما ورد في نبوءة إشعياء (60: 10). وكلام أيوب يوحي بأنّ الخير والشرّ كلاهما من عند الله (2: 10). وفي سفر الخروج أنّ الربّ قتل كل بكر في أرض مصر من بكر الناس إلى بكر البهائم (13: 15). وهو مهلكٌ الأشرار (مز 144: 20). والنار الأبدية معدّة لإبليس وملائكته (مت 25: 41). وكل مَن يسجد للوحش سيشرب من خمر غضب الله ويُعذَّب بنار وكبريت أمام الملائكة القدّيسين وأمام الخروف ويصعد دخانُ عذابهم إلى أبد الآبدين (رؤ 14)... أكثر الناس يقبل بعض الصفات المذكورة أعلاه لله ويؤوِّل الباقي. لا يمانع في أن يَقتل الله الأشرار انتقاماً أو يعتبر ذلك مبرَّراً أو مرغوباً فيه. ونار العذاب، لدى هؤلاء، وجهنّم النار، من تعابير العدالة الإلهية... لعمري ما جرى كشفه بالربّ يسوع المسيح عدّل المعايير وبدّل المناظير. استبان الله محبّة. هذا جديد بالكلية. لم يُقَل: "الله يحبّ"، لأنّه لو قيل ذلك واكتُفي به لكان معناه أنّ لله خبرة محبّة، لكن خبرة المحبّة لا تنفي خبرة عدم المحبّة. أما وقد وقيل "الله محبّة" فهذا معناه، بصورة قاطعة وكلّية، أنّ كل ما يصدر عن الله هو فعل محبّة. لذا بدا يسوع على ما بدا عليه. هذا هو الكلمة المتجسّد. الكلمة هي المحبّة. يسوع، إذاً، هو الله المحبّة متجسِّداً. لم يعرف خطيئة ولا حقداً ولا انتقم ولا قتل أحداً. حتى عندما غضب في الهيكل كان غضبه علامة غيرة إلهية. لم يؤذِ أحداً. ضربهم بالسوط تأديباً وتعليماً. لسان حاله كان واضحاً: "إغفر لهم يا أبتاه لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون". قال بما سلك وسلك كما قال. "لا تقاوموا الشرّ... أحبّوا أعداءكم... لكي تكونوا أبناء أبيكم... كونوا... كاملين كما أنّ أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت 5). الآب السماوي كامل لأنّه محبّة. هكذا ظهر الله في يسوع وهكذا هو منذ البدء. لم يكن الله في العهد القديم على صورة ما ثمّ صار، في العهد الجديد، على صورة أخرى. الله هو على ما هو عليه أمساً واليوم وغداً. ليس هو مَن تغيّر. النظرة إليه تغيّرت. ليس الله هو الرمادي أو الأزرق أو الزهري بل نظّارتك. لا يمكنك أن تعاينه إلاّ بعينيك، ولا يمكنك أن تعرفه إلاّ بأفكار قلبك. ما دام القتل والانتقام والحقد لديك حالةَ نفسٍ فلا يمكنك أن تعرف الله إلاّ شريكاً لك في ما أنت فيه، شريكاً في القتل والانتقام والحقد. لو بدا الله في عيون بني إسرائيل، منذ البدء، محبّة لما قبلوه ولما آمنوا به. المحبّة في قلب مطبَّع على الانتقام نكرةٌ وضعفٌ وقصور. المحبّة التي خبروها كانت ملطّخة بالأنانيات والقبليات والانتقام والحقد والقتل. التنقية عمل شاق ومعقّد. أساس هذا العمل هو العطاء المشروط. "احفظوا وصايا الربّ التي أوصاكم بها... واعمل الصالح والحسن في عيني الربّ لكي يكون لك خير وتدخل وتمتلك الأرض الجيّدة التي حلف الربّ لآبائك أن ينفي جميع أعدائك من أمامك" (تث 6: 17 – 19). الربّ، إذاً، يعطي شعبه الخيرات الأرضية والنصرة على الأعداء، أما هم فعليهم بطاعة الله. هذا عقد. على هذا الأساس حالفهم. فإن خالفوا تخلّى عنهم. هذا مساوٍ لتسليمهم إلى أيدي أعدائهم. من هنا انطلقوا. صار ما يحدث لهم بشرياً وإلهياً معاً. ما له علاقة بالقتل والانتقام والسلب والنهب، هذا منهم. هذه لغتهم. هذه أخلاقهم. أما النجاح والنصرة فمن الربّ. هذه عطيّته. بدونه لا يستطيع أحدٌ شيئاً. هذا معبَّر عنه، مثلاً، بالقول الكتابي: "الفرس مُعَدٌّ ليوم الحرب أما النصرة فمن الربّ" (أم 21: 31) و"بدوني لا تستطيعون شيئاً". المسألة المربكة هنا هي: كيف يمكن الله أن يتفاعل ونجاسات الإنسان؟ هو لا يتفاعل معها، في الحقيقة، بل يفعل من خلالها ليساعد الإنسان على تخطّيها وتالياً على إلغائها. الله يأنف الخطيئة ولا يأنف الخاطئ حتى ينقّيه من خطيئته. الله يتعامل مع الإنسان الخاطئ ولا يتعامل مع خطيئته. والله، إذ يفعل ذلك، يمدّ الإنسان بطاقة تنقوية مبارَكة تجعله يدرك، في آن، أنّ الله يعينه وأنّه يشاؤه أن يحفظ وصاياه. النصرة والتوفيق مرتبطان بحفظ الوصيّة. ليس بإمكان الإنسان أن يستغلّ الله. حفظ الوصيّة هو الشرط. ولكن إِلامَ يفضي حفظ الوصية؟ بالضبط إلى التنقي من النجاسة. هذا ما تفعله في الإنسان الطاقة التنقوية المبارَكة التي يبثّها روح الله فيه. هذه هي استراتيجية الله بمعنى. إذاً كل نسبةٍ للقتل أو الانتقام أو الحقد أو الشرّ أو الغضب المدمِّر أو الإفناء إلى الله إنما هو مسعى بشري ملتبس يبدو كأنّه يورّط الله في نجاسات الإنسان، فيما لا تنجلي حقيقة طبيعة عمل الله في الإنسان إلاّ بمعرفة مقاصده العميقة في تطهير قلب الإنسان مما علق فيه من أدناس. القداسة، قديماً وحديثاً، هي الخطاب. قديماً تساءل أيوب الصدّيق: "مَن يُخرج الطاهر من النجس" فأجاب: "لا أحد". والجواب الأحقّ هو "الله". لذا كان يسوع هو المنتظَر لأنّه يخلّص شعبه من خطاياهم. أما مِحَنُ الإنسان وآلامه ومعاناته والحروب والكوارث والزلازل، وكذا الموت والعذاب والنار والهلاك الأبدي فليس من الله ولا يمكن أن يكون. هذا كلّه لا ينسجم وحقيقة الله. تلك وجوه من شقاء الخليقة وثمرٌ مما تزرعه إذ لا تشاء أن تستجيب لمحبّة الله وتحيا فيها. هو فقط يعطيها حقّ الوجود. أما الحالة الآثمة التي توجد فيها فمنها.
الأرشمندريت توما (بيطار) - رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي – دوما
هذه الأسئلة ومثيلاتها تستدعيها نصوص كتابية توحي أو تجاهر بها.
نبوءة إرميا، الإصحاح 3، الآيتان 12 و 13، توحي بحقد الله ولو لم يكن إلى الأبد. والمزمور الثالث والتسعون يقول صراحة: "الربّ إله الانتقام" (الآية الأولى). بغضبه ضرب السيّد الربّ أورشليم، كما ورد في نبوءة إشعياء (60: 10). وكلام أيوب يوحي بأنّ الخير والشرّ كلاهما من عند الله (2: 10). وفي سفر الخروج أنّ الربّ قتل كل بكر في أرض مصر من بكر الناس إلى بكر البهائم (13: 15). وهو مهلكٌ الأشرار (مز 144: 20). والنار الأبدية معدّة لإبليس وملائكته (مت 25: 41). وكل مَن يسجد للوحش سيشرب من خمر غضب الله ويُعذَّب بنار وكبريت أمام الملائكة القدّيسين وأمام الخروف ويصعد دخانُ عذابهم إلى أبد الآبدين (رؤ 14)... أكثر الناس يقبل بعض الصفات المذكورة أعلاه لله ويؤوِّل الباقي. لا يمانع في أن يَقتل الله الأشرار انتقاماً أو يعتبر ذلك مبرَّراً أو مرغوباً فيه. ونار العذاب، لدى هؤلاء، وجهنّم النار، من تعابير العدالة الإلهية... لعمري ما جرى كشفه بالربّ يسوع المسيح عدّل المعايير وبدّل المناظير. استبان الله محبّة. هذا جديد بالكلية. لم يُقَل: "الله يحبّ"، لأنّه لو قيل ذلك واكتُفي به لكان معناه أنّ لله خبرة محبّة، لكن خبرة المحبّة لا تنفي خبرة عدم المحبّة. أما وقد وقيل "الله محبّة" فهذا معناه، بصورة قاطعة وكلّية، أنّ كل ما يصدر عن الله هو فعل محبّة. لذا بدا يسوع على ما بدا عليه. هذا هو الكلمة المتجسّد. الكلمة هي المحبّة. يسوع، إذاً، هو الله المحبّة متجسِّداً. لم يعرف خطيئة ولا حقداً ولا انتقم ولا قتل أحداً. حتى عندما غضب في الهيكل كان غضبه علامة غيرة إلهية. لم يؤذِ أحداً. ضربهم بالسوط تأديباً وتعليماً. لسان حاله كان واضحاً: "إغفر لهم يا أبتاه لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون". قال بما سلك وسلك كما قال. "لا تقاوموا الشرّ... أحبّوا أعداءكم... لكي تكونوا أبناء أبيكم... كونوا... كاملين كما أنّ أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت 5). الآب السماوي كامل لأنّه محبّة. هكذا ظهر الله في يسوع وهكذا هو منذ البدء. لم يكن الله في العهد القديم على صورة ما ثمّ صار، في العهد الجديد، على صورة أخرى. الله هو على ما هو عليه أمساً واليوم وغداً. ليس هو مَن تغيّر. النظرة إليه تغيّرت. ليس الله هو الرمادي أو الأزرق أو الزهري بل نظّارتك. لا يمكنك أن تعاينه إلاّ بعينيك، ولا يمكنك أن تعرفه إلاّ بأفكار قلبك. ما دام القتل والانتقام والحقد لديك حالةَ نفسٍ فلا يمكنك أن تعرف الله إلاّ شريكاً لك في ما أنت فيه، شريكاً في القتل والانتقام والحقد. لو بدا الله في عيون بني إسرائيل، منذ البدء، محبّة لما قبلوه ولما آمنوا به. المحبّة في قلب مطبَّع على الانتقام نكرةٌ وضعفٌ وقصور. المحبّة التي خبروها كانت ملطّخة بالأنانيات والقبليات والانتقام والحقد والقتل. التنقية عمل شاق ومعقّد. أساس هذا العمل هو العطاء المشروط. "احفظوا وصايا الربّ التي أوصاكم بها... واعمل الصالح والحسن في عيني الربّ لكي يكون لك خير وتدخل وتمتلك الأرض الجيّدة التي حلف الربّ لآبائك أن ينفي جميع أعدائك من أمامك" (تث 6: 17 – 19). الربّ، إذاً، يعطي شعبه الخيرات الأرضية والنصرة على الأعداء، أما هم فعليهم بطاعة الله. هذا عقد. على هذا الأساس حالفهم. فإن خالفوا تخلّى عنهم. هذا مساوٍ لتسليمهم إلى أيدي أعدائهم. من هنا انطلقوا. صار ما يحدث لهم بشرياً وإلهياً معاً. ما له علاقة بالقتل والانتقام والسلب والنهب، هذا منهم. هذه لغتهم. هذه أخلاقهم. أما النجاح والنصرة فمن الربّ. هذه عطيّته. بدونه لا يستطيع أحدٌ شيئاً. هذا معبَّر عنه، مثلاً، بالقول الكتابي: "الفرس مُعَدٌّ ليوم الحرب أما النصرة فمن الربّ" (أم 21: 31) و"بدوني لا تستطيعون شيئاً". المسألة المربكة هنا هي: كيف يمكن الله أن يتفاعل ونجاسات الإنسان؟ هو لا يتفاعل معها، في الحقيقة، بل يفعل من خلالها ليساعد الإنسان على تخطّيها وتالياً على إلغائها. الله يأنف الخطيئة ولا يأنف الخاطئ حتى ينقّيه من خطيئته. الله يتعامل مع الإنسان الخاطئ ولا يتعامل مع خطيئته. والله، إذ يفعل ذلك، يمدّ الإنسان بطاقة تنقوية مبارَكة تجعله يدرك، في آن، أنّ الله يعينه وأنّه يشاؤه أن يحفظ وصاياه. النصرة والتوفيق مرتبطان بحفظ الوصيّة. ليس بإمكان الإنسان أن يستغلّ الله. حفظ الوصيّة هو الشرط. ولكن إِلامَ يفضي حفظ الوصية؟ بالضبط إلى التنقي من النجاسة. هذا ما تفعله في الإنسان الطاقة التنقوية المبارَكة التي يبثّها روح الله فيه. هذه هي استراتيجية الله بمعنى. إذاً كل نسبةٍ للقتل أو الانتقام أو الحقد أو الشرّ أو الغضب المدمِّر أو الإفناء إلى الله إنما هو مسعى بشري ملتبس يبدو كأنّه يورّط الله في نجاسات الإنسان، فيما لا تنجلي حقيقة طبيعة عمل الله في الإنسان إلاّ بمعرفة مقاصده العميقة في تطهير قلب الإنسان مما علق فيه من أدناس. القداسة، قديماً وحديثاً، هي الخطاب. قديماً تساءل أيوب الصدّيق: "مَن يُخرج الطاهر من النجس" فأجاب: "لا أحد". والجواب الأحقّ هو "الله". لذا كان يسوع هو المنتظَر لأنّه يخلّص شعبه من خطاياهم. أما مِحَنُ الإنسان وآلامه ومعاناته والحروب والكوارث والزلازل، وكذا الموت والعذاب والنار والهلاك الأبدي فليس من الله ولا يمكن أن يكون. هذا كلّه لا ينسجم وحقيقة الله. تلك وجوه من شقاء الخليقة وثمرٌ مما تزرعه إذ لا تشاء أن تستجيب لمحبّة الله وتحيا فيها. هو فقط يعطيها حقّ الوجود. أما الحالة الآثمة التي توجد فيها فمنها.
الأرشمندريت توما (بيطار) - رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي – دوما
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق