السبت، 23 أغسطس 2008

نبوة زكريا الكاهن

سنواصل التأمل في النبوة التي تنبأ بها زكريا الكاهن عندما قال "لتعطي شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم. بأحشاء رحمة إلهنا التي بها أفتقدنا المشرق من العلاء. ليضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت لكي يهدي أقدامنا في طريق السلام" [ لو1 : 77ـ 79 ]. لقد أعلن لنا الروح القدس علي فم زكريا الكاهن إعلانات روحية عظيمة نتمتع بها. وكان لنا في العام الماضي التأمل في الجزء الأول لهذه النبوة، وفي هذا العام سنواصله. فالله لا يزال إلي يومنا هذا يفتقدنا بالمزيد من المراحم الإلهية التي تعلن لنا بكل وضوح عن أحشاء المراحم الإلهية. فلقد مُنحنا سكني الروح القدس في داخلنا بسر الميرون المقدس بعد نوالنا سر المعمودية المقدسة. وكل من يطلب ويصلي بلجاجة حتى يظل الروح القدس مشتعلا في حياته فإنه يعيش حياة روحية نامية وساعية للحياة في طاعة تامة للكتاب المقدس وفي تسليم كامل لإرادة الله. يا له من افتقاد عظيم ـ افتقاد الروح القدس لنا ـ إنه أمر عجيب حقا أن ننال سكني الروح القدس الدائم في حياتنا. فعندما يسكن الروح القدس في داخلنا تصير حياتنا هياكل مقدسة للرب الإله. وبالرغم من أنه في بعض الأوقات يكون سلوكنا الروحي معطلا لعمل الروح القدس فينا، إلا أنه لايفارقنا بل يظل كامنا فينا. يا لها من مراحم عظيمة يصعب علينا وصفها ولكن يمكننا التمتع بها. فروح الله القدوس الهادئ الوديع أصبح له سكني دائم في حياتنا بالرغم من الضعفات والسقطات؟!. بل ولا يمكننا الثبات في القيام في الحياة الروحية بدون عمل الروح القدس في داخلنا. وكل من يجاهد حتى يظل الروح القدس مشتعلا في داخله يلمس التغيير الذي يحدث في حياته حتى أن كل من يعاشره يلمس عمل النعمة التي عملت فيه. يا لها من مراحم إلهية قد أفتقدنا بها الله المشرق من العلا.
فمنذ افتقاد الله لنا بتجسد أبنه الوحيد ربنا يسوع المسيح ونحن نتمتع بالعديد من صور افتقاده لنا، وهذا بدوره يمتعنا بالفرح الروحي الحقيقي. فالكتاب المقدس يعلن لنا قائلا "لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" [رو 5 : 5 ]. لقد افتقدنا الله بينما كنا في الظلمة، واقترب من نفوسنا ومنحنا حياة الخليقة الجديدة وسكني الروح القدس فينا حتي نتمتع بالشركة الحية معه. ليت هذه البركات تكون المحور الوحيد لصلواتنا حتى نتمتع بها ونتذوق فاعليتها خاصة عندما نعبر بالضيق أو نحمل أحمالا تفوق قدراتنا. فإنه في مثل هذه الظروف القاسية نلمس واقعيا مدي افتقاد المراحم الإلهية التي يفتقدنا بها الله. فإنه في مثل هذه المواقف تشرق المراحم الإلهية في حياتنا وتبدد ظلمة الخوف والقلق وتقودنا إلي بر السلام والتصرف الصحيح والخروج من الضيق الي الرحب ونحن مكللون بكل فرح وحكمة. وطالما نحن مواصلون مسيرة الجهاد الروحي والطلبة بلجاجة حتى يظل الروح القدس مشتعلا في داخلنا فإننا نختبر عمليا افتقاد المراحم الإلهية ونلمس عظيم البركات التي أمدنا بها الله.
ومن عظيم مراحم الله التي افتقدنا بها أنه عندما افتقدنا بتجسد ابنه الوحيد ربنا يسوع المسيح وبمنحنا سكني الروح القدس الدائم في حياتنا، افتقدنا بصورة باسمة ومشرقة وهادئة ففاضت في داخلنا بحياة الفرح والسلام الإلهي والسرور الروحي.
فالله لم يفتقدنا بنور خارجي لينير ظلمة العالم، بالرغم من أنه قادر أن يبدد الظلمة، ولكنه افتقدنا بما ينير ظلمة حياتنا الداخلية فنحيا دوما في تحقيق ما سبق واختبرة داود النبي عندما قال "لأنك أنت تضيء سراجي الرب إلهي ينير ظلمتي" [ مز 18 : 28 ].
فالله افتقدنا ليس بصورة البرق الذي سرعان ما يتبدد وينتهي، بل بنور داخلي ينير حياتنا الداخلية ويستمر عمله في داخلنا إلي الأبد طالما نحن مواصلون مسيرة الجهاد الروحي والطلب بلجاجة حتى يظل الروح القدس عاملا ومثمرا في حياتنا. فبعد الظلمة الكثيفة وبرودة الليل القاسية التي كانت تعبر بها االبشرية في بؤس وشقاء تجسد الرب يسوع المسيح وولد من القديسة مريم العذراء. لقد أتي بحياة فاعلة ومناسبة لنا للغاية. ليس في صورة نار ملتهبة مفزعة، ولا بنور يظهر قليلا ثم يضمحل، ولكنه أتي لحياتنا مشرقا حتى نحيا حياة الخليقة الجديدة.
فكما أن اليوم الجديد يبدأ بإشراق الشمس، هكذا الأمر بالنسبة لنا فلقد بدأ تمتعنا بحياة الخليقة الجديدة عندما أشرق شمس البر لعالمنا بتجسده وبميلاده المجيد مولودا من القديسة مريم العذراء. فلقد أتي إلينا وفق النبوات المعلنة لنا في الكتاب المقدس ولكن في نفس الوقت أتي إلينا مولودا في مزود حقير في بيت لحم اليهودية. ونحن اليوم وبعد مرور قرون عديدة يمكننا أن نلمس إشراقه في حياتنا بالأعين الروحية الداخلية، وندرك أن إشراقة وإنارة داخلنا يتم بصورة نمو يبدأ شعاعا بسيطا للغاية ولكنه يزداد في النمو حتى تستنير حياتنا الداخلية أكثر فأكثر كل يوم. فالروح القدس يعمل في داخلنا في حياة نامية طالما أننا نواصل الصلاة والطلبة بلجاجة ويقودنا لحياة العشرة الصادقة مع الله. فافتقاد الله للمؤمنين يقدم لهم الفيض من الحكمة والنعمة الإلهية. إن افتقاد الله لكل مؤمن يتم بعمل داخلي يناسبه شخصيا، فنجده متوافق مع شخصيته ومع الوزنات التي منحها الله له، وذلك لأن الكتاب المقدس هو رسالة الله المرسلة لكل مؤمن منا شخصيا. فالله المحب لنا يفتقدنا ويعلن لنا عن ذاته حتى تبتهج نفوسنا دون أن يكون هذا الافتقاد سبب رعب أو خوف لنا، بل ودون أن نـُبتلع بهذا الافتقاد الذي يفتقدنا به الله.
ولكن هناك من يفكر في داخله قائلا لماذا لا يكون افتقاد الله لنا بصورة جليلة تـُظهر مجده، وليس بصورة البزوغ الذي يعمل في داخلنا وينمو؟!. والإجابه علي هذا الفكر واضحة وجليلة، فإنه من الصعب علينا احتمال هذا الأمر، ولنتذكر موقف بني إسرائيل عندما سمعوا الله يتكلم وكانت النيران مشتعلة في الجبل، وكيف حل عليهم الرعب والخوف حتى أنهم قالوا لموسي ليكلمك الله ولتعلن أنت لنا أقوال الله المسلمة إليك. فالله يعرف ماهو مناسب لنا أكثر مما نعرف نحن عن أنفسنا، ولذا فإنه عندما يفتقدنا يسقينا أولا اللبن الذي للصغار روحيا، ومع استمرار الجهاد الروحي والصلاة ينمو الإنسان الجديد في داخلنا ويكون افتقاد الله لنا بما هو صالح للبالغين والنامين روحيا.
فإن افتقاد الله لنا يشبه بصورة كبيرة بزوغ النهار مع إشراق اليوم الجديد. فالفجر يقضي علي ظلمة الليل بدون شغب أو إزعاج ويشرق علي الأرض بالنور. فالليل يجمع قلاعه ويضمحل قبل ظهور أشعة الشمس. وهكذا الأمر معنا، فعندما يفتقدنا الله بوجوده الحي فينا وباشتعال الروح القدس في حياتنا فإنه يزيل عنا ظلمة عدم معرفة الله الحقيقية ويبدد من داخلنا الخوف واليأس. لقد عبرت عن حياة المؤمنين الظلمة الداخلية بتجسد الرب يسوع المسيح وظهوره في الجسد لإتمام خلاصنا، الأمر الذي أتمه في ملء الزمان. وقد ينتهي نهار حياتنا إلا أن الليل لن يعود لحياتنا مرة أخري طالما أننا نطلب بلجاجة حتى نحيا ـ لا أنا بل المسيح هو الحي فيّ ـ وطالما الأمر هكذا فلماذا لا نواصل مسيرة الصلاة بلجاجة حتى نتمتع بإشراق شمس البر في داخلنا. فإن حياتنا مستحيل أن تتمتع بالنور إلا إذا كانت في المسيح، وكل من يتطلع بعيني الإيمان ويطلب بلجاجة في الصلاة كل يوم حتى يحيا هذه الحياة فإنه لن يكون في احتياج لشموع الثقة البشرية ولا إشعاعات المشاعر والأحاسيس البشرية لأن الحياة في المسيح قد وضعت النهاية لأي ظلمة كانت في داخله ويصدق فيه قول الكتاب "نظروا إليه واستناروا ووجوههم لم تخجل" [ مز 34 : 5 ].
ليتنا في يوم عيدنا المجيد نتطلع إلي مولود بيت لحم ـ الإله المتجسد ـ لندرك عظيم البركات والنعم الإلهية التي أجزلها لنا. لنتذكر أنه قد تجسد وتأنس لأجل خلاصنا، وأنه قد "قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك" [ لو 19 : 10 ]. إنه النور الحقيقي وتجسد حتى يشرق لنا نحن الجلوس في الظلمة، وأتي لينير حياة كل من يؤمن به. نعم لقد تجسد وتأنس لأجل خلاص الجميع، وجاء مفتقدا الجميع لينير حياتهم، وبالتالي فلا عذر لأحد إن ظلت حياته الداخلية في الظلام الدامس. لقد جاء نورا للعالم "والنور يضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه" [يو 1 : 5 ]. ولنتذكر قول الرب يسوع المسيح القائل "وهذه هي الدينونة أن النور قد جاء إلى العالم وأحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة" [ يو 3 : 19 ]. لقد تجسد الرب يسوع المسيح وولد في بيت لحم اليهودية حتى نتمتع ببركات روحية لا حصر لها وقد أشرق علينا بها لنتمتع بها.
إن ميلاد الرب يسوع المسيح قد أشرق علي البشرية كلها بإشراق يوم جديد، ووهب المؤمنين الرجاء بمجد عظيم آتيا إليهم وسينالونه. ففي المجئ الأول للرب يسوع المسيح بتجسده من القديسة مريم العذراء قد جاء ليتمم الفداء ويخلصنا من خطايانا، وقد جاء ليتمم العمل الذي كان موضوعا أمامه. ومنذ يوم ميلاده المجيد إلي يومنا هذا فإنه لا يزال يفتقد المؤمنين الذين يطلبون في الصلاة حتى يكون حيا فيهم، وهذا يتطلب الصبر وحياة المثابرة في الصلاة، وباستمرارية الحياة في المسيح يزداد إشراق النور في حياة المؤمن. وكل من يواصل التطلع لافتقاد الله له فإنه يتمتع بحياة الفرح والسرور الروحي.
يا لها من أمور عجيبة ومفرحة تظهر لنا جانبا صغيرا للغاية من جوانب مراحم الله ورأفته. لقد تجسد وتأنس الرب يسوع المسيح وولد من القديسة مريم العذراء معلنا لنا أنه النور الذي أتي إلي العالم. والاختبار الروحي الذي يعبر به المؤمن هو أن إشراق هذا النور في حياته يأتي دوما بصورة تدريجية إلا أنها تنمو وتتزايد طالما المؤمن مثابر في حياة الصلاة والطلبة حتى يكون المسيح حيا فيه. فهل لنا أن نجعل احتفالنا اليوم بعيد الميلاد المجيد احتفالا روحيا نتحول فيه فنطلب من مولود بيت لحم أن يشرق في داخلنا ونثابر في هذه المسيرة حتى يزداد إشراقه في حياتنا. فحتى الضعفاء منا والذين يرون في أنفسهم أنهم غير مستحقين لإشراق شمس البر في حياتهم لا يزال بزوغ فجر الحياة الجديدة في داخلهم قريبا منهم للغاية، وافتقاد الرب لهم يتم ببساطة متناهية وبكل دقة ويغير حياتهم، ذلك لأنه افتقاد كله رحمة ورأفة إلهية. ليتنا في احتفالنا بعيد الميلاد المجيد في هذا العام نتقدم بالشكر لإلهنا الحنون الذي بميلاده المجيد افتقدنا ولكنه لا يزال إلي يومنا هذا يفتقدنا بصور مختلفة، وهذا الافتقاد بإشراق حلو وعجيب من العلا. إن إشراق الرب يسوع المسيح في حياتنا متاح للجميع حتى لمن يروا في أنفسهم بأنهم ضعفاء، ويبزغ وينير حياتنا بصورة تدريجية ولكنها نامية في نفس الوقت طالما أن المؤمن مواصل جهاده الروحي في الصلاة والطلبة ومثابر في حياة التوبة والجهاد في طاعة الكتاب المقدس. إنه افتقاد عظيم يتم بكل بساطة ورقة ويغير حياتنا ذلك لأنه افتقاد كله المراحم الإلهية الصادقة معلنا لنا بصورة حية فعالة في داخلنا عظيم الرأفة الإلهية التي يتعامل بها الله معنا. ليتنا في هذا العام نجاهد حتى يصبح عيدنا عيدا مبهجا لحياتنا بأن نطلب بلجاجة حتى يشرق المسيح في حياتنا.
ولكن هناك أمر آخر لعظيم مراحم ورأفة الله معنا ولا يجب أن يعبر دون الإلتفات إليه، ألا وهو أن الله قد افتقدنا ونحن في حالتنا ووضعنا المتدني للغاية بالنسبة له. وبالعودة إلي آية تأملنا نجدها تعلن لنا قائلة "لتعطي شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم" فالله قد افتقدنا بتجسد ابنه الوحيد يسوع المسيح ربنا بينما نحن غارقون في خطايانا. نعم لقد سبق وأعد الله خطة خلاصنا حتى نتحرر ونخلص من خطايانا، وسبق وأعلن هذه الخطة في النبوات التي وردت وأعلنت لنا في العهد القديم، ولكن لنتذكر قول الكتاب المقدس "لأن المسيح إذ كنا بعد ضعفاء مات في الوقت المعين لأجل الفجار" [ رو 5 : 6 ]. لقد افتقد الله البشرية الغير مستحقة إلا للعقاب الأبدي بتجسد ابنه الوحيد ربنا يسوع المسيح ومات عوضا عنا حتى يخلصنا من خطايانا. إن هذا الافتقاد إنما هو نعمة الله المخلصة والغير مبنية علي أي استحقاق فينا. ولا يزال إلي يومنا هذا يفتقدنا لأنه أبو كل رأفة وإله المراحم.
إن المراحم والرأفة الإلهية العظيمة قد أعلنت لنا بصورة عجيبة حقا. فبالرغم من عدم وجود أي صلاح فينا، إلا أن الله يفتقدنا بعظيم المراحم الإلهية. وإنه يقدمها لنا بغني وفير بحسب غناه في المجد. تماما مثل ما يفعل الله مع جنس البشر فإنه يمطر علي الحقول حتى تثمر فيطعم البشر سواء كانوا أبرارا أم أشرارا. ليتنا نتذكر هذه الحقيقة الروحية الغالية لأنها ستقودنا لإدراك عظمة الافتقاد الذي يفتقدنا به الله.
وفي احتفالنا بعيد الميلاد المجيد لابد أن نتذكر أن الله افتقد البشرية بتجسد ابنه الوحيد ربنا يسوع المسيح بينما كانت البشرية ساقطة في ظلام روحي دامس، وكانت غير قادرة علي إدراك عظيم افتقاد الله لها بتجسد ابنه الوحيد. وإلي يومنا هذا لا يزال هناك من هم في الظلمة الروحية فلم يتحركوا لقبول افتقاد الله لهم، وبالرغم من أن الله قد سُر أن يشرق لهم بنور بشارة الخلاص حتى تستنير حياتهم إلا أنهم مستمرون في عدم قبول هذا الافتقاد الإلهي لهم. فبالرغم من أن الله قد أشرق عليهم بنور الخلاص بالفداء الذي أتمه علي الصليب لأجل خلاصهم، إلا أنهم لا يزالون في قساوة قلوبهم وعدم قبول افتقاد الله لهم بمراحمه الإلهية التي أجزلها لنا.
وآية تأملنا تعلن قائلة "ليضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت". فمن هو الذي في هذه الظلمة؟!. إنه كل من يعش بلا رجاء، وكل من يهمل السعي للوصول إلي ميراث ملكوت السموات. إنه افتقاد عظيم مقدم من الله الكلي القداسة لكل من هو مرذول ومخزي لأجل كثرة آثامه. إن افتقاد الله مقدم للجميع، لمن يري في داخله أنه غير مستحق لأنه إنسان خاطيء وبلا رجاء. لنتذكر في يوم عيدنا المجيد أن الرب يسوع المسيح قد "جاء لكي يخلص ما قد هلك" [ مت 18 : 11 ]. ولكن من هو الذي في ظلال الموت؟!. إنها صورة معبرة ولكنها مفزعة حقا.إنها تصور الموت وكأنه قد وقف وظلاله قد غطت البشرية كلها. فظلال الموت هذه تقضي علي حياة الفرح وتميت الرجاء وتعصر القلب، لأنها قادرة علي تشتيت العقل وإحزان النفس فتخيف كل من هو واقع تحت ظلالها. إنها تخيفهم من الماضي وتفزعهم من المستقبل الذي ينتظرهم. ولكنها في الواقع قد عملت ما هو أصعب من هذا كله، لأنها قد أماتت الحاضر الذي يعيشونه. فكل من يشعر أنه يعيش تحت ظلال الموت لأنه يعبر بهذه الحياة المفزعة، أقدم له رسالة هذا العيد لأقول له لا تخف فالرب يسوع المسيح قد تجسد وتأنس وولد في بيت لحم اليهودية، ونحن اليوم نحتفل بميلاده المجيد لأنه يريد خلاص الجميع ذلك لأنه قد محا عنا جميعا صك الكتاب الذي كان علينا ومنحنا الخلاص وعاد بكل المؤمنين في كل العصور والأزمان حتى يوم الدينونة إلي ميراث ملكوت السموات. أنه إلهنا الذي يعرف طبيعتنا، ولذا فإنه يفتقدنا إلي يومنا هذا بعظيم المراحم الإلهية، والباقي هو هل آمنت بهذا، وبدأت الصلاة والطلبة حتى يحيا المسيح فيك وحتى يعمل الروح القدس في داخلك؟!. لقد تجسد الرب يسوع المسيح حتى يفدينا من خطايانا وينقذنا من الموت الذي كنا فيه، فهل سيكون احتفالنا بهذا العيد في هذا العام احتفالا روحيا فيه نتحول ونطلب بلجاجة كل يوم حتى يكون المسيح حي فينا، وحتى يتقد ويشتعل الروح القدس في داخلنا؟!. كل مؤمن منا يعرف خطاياه وآثامه، ولكن المطلوب منه ألا يظل بهذه الحالة، ولذا فرسالة هذا العيد تناشده حتى يتحول ويتطلع إلي الرب يسوع المسيح ويصلي إليه قائلا أشكرك يا مخلصي الصالح يا من قبلت أن تتجسد وتتخذ جسدا بشريا حتى تتم خلاصي، وإنك العارف بأنني بذاتي لا يمكنني الخلاص لذا افتقدتني، ولذا فإنني أطلب بلجاجة حتى تتفضل وتكون حيا فيّ وروحك القدوس عاملا في داخلي، فطلبتي اليوم حتى أتمتع بعظيم افتقادك لي حتى نهاية أيام غربتي علي الأرض وأصل إلي التمتع الحقيقي بالشركة الدائمة معك في ميراث ملكوت السموات.
ليتنا نسمع بآذاننا الروحية ما قد سبق وأعلنه القديس يوحنا المعمدان عندما قال
"هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم"
[ يو 1 : 29 ]. ليتنا نقبل إليه طالبين منه أن يكون حيا فينا فنتمتع بعظيم افتقاد الله لنا، فنتحرر من الظلمة ومن ظلال الموت الذي يخيم به إبليس علي حياة بني البشر.
لقد تجسد الرب يسوع المسيح وولد من القديسة مريم العذراء ومات وانحنى بالصليب حتى يطلب ويخلص ما قد هلك، ويا لها من صورة مبهجة حقا عندما نتأمل فيها. لنتطلع إلي الأبدية ونتأمل في الذين تمتعوا بالميراث الأبدي، سنجدهم أولئك الذين كانوا أمواتا بالذنوب واالخطايا، ولكنهم عاشوا الإيمان بالرب يسوع المسيح وقبلوا افتاد الله لهم، فصارعوا في حياة الجهاد الروحي وواصلوا الصلاة والطلبة وعاشوا التوبة ونموا في حياة الإيمان، وتمتعوا بالعمل العظيم الذي أتمه الرب يسوع لأجلهم. لم يهملوا افتقاد المراحم الإلهية لهم، بل طلبوها بلجاجة وعاشوا حياة الخليقة الجديدة، وبالتالي فلا يمكننا إلا أن نقول لهم هنيئا لكم بالمواقع العالية التي تعيشون فيها إلي الأبد.
فرسالة هذا العيد مقدمة للجميع، خاصة لكل من يظن في داخله أنه ولأجل حياته المبتعدة عن الله أو بسبب الظروف القاسية التي يعبر بها أنه أصبح منسيا، أو من حاربه الشرير حتى يفقد حياة الرجاء. أناشدهم ألا يستسلموا لهذه المشاعر الصعبة بل أناشدهم أن يتذكروا أن الرب يسوع المسيح قد جاء لكي يطلب ويخلص من قد هلك. لقد تجسد رب المجد "ليضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت لكي يهدي أقدامنا في طريق السلام". إنها رأفة ورحمة إلهية يقدمها لنا الرب يسوع المسيح. فلو لم يتجسد الرب يسوع المسيح ويولد من القديسة مريم العذراء، ما كان لنا خلاصا ولا عودة لميراث ملكوت السماء الذي فقدناه بسقوط آدام في الفردوس. ولكن شكرا لإلهنا الحنون المحب، الذي تجسد وتأنس مفتقدنا بالمراحم الإلهية حتى يشرق علينا ويهدي أقدامنا في طريق السلام. لقد افتقدنا الرب يسوع المسيح فاشرق علينا فإبتلع نور إشراقه الظلمة التي كنا نعيش فيها. وإلي يومنا هذا نجده يقود حياة كل من سلمها له ، وجعل لنا هذا الطريق طريق سلام لحياتنا.
ليتنا نضع كل هذه النعم الإلهية نصب أعيننا في احتفالنا هذا العام بعيد الميلاد المجيد. فالواقع يعلن لنا أننا كنا في الظلمة وما كان في مقدورنا أن نتعرف علي الطريق ولا في مقدور أي إنسان آخر أن يقودنا للمسير فيه. ولكنه بتجسده وتأنسه وميلاده من القديسة مريم العذراء افتقدنا وعرفنا بل ويقودنا للمسير في الطريق، ولا يزال يفتقدنا بعظيم المراحم الإلهية. فعندما لا تكن عارفا بالطريق فإنك من المستحيل أن تسير فيه بمفردك. ولكن بفضل تجسد الرب يسوع المسيح وميلاده من القديسة مريم العذراء قد افتقدنا الله بالمراحم الإلهية وقادنا بل ولا يزال يقودنا في الطريق ويرشد أقدامنا للمسير فيه، بالرغم من الحروب والضيقات التي يحاربنا بها الشرير محاولا أن يبدد سلامنا أو يفقدنا المسير في طريق السلام. فالطريق صالح للغاية، ولكنه قد يبدو أمام البعض بكونه مملوءاً بالأشواك. ليتنا نتذكر أن الله قد افتقدنا بالمراحم الإلهية فمنحنا عونا به يتحول هذا الطريق الكرب والضيق فيصبح طريق السلام والفرح الحقيقي. فالسلام هنا يعني الراحة والسلام والنجاح والفرح الحقيقي.
وفي ختام الحديث لابد من التحدث عن الجانب العملي. فإن كان الله قد افتقدنا بأحشاء رأفة وبمراحم إلهية مقدما لنا ما لا يمكننا إدارك أبعاده الحقيقية، فهذا يقودنا لقبول هذا الافتقاد الإلهي، فنطلبه بلجاجة كل يوم، حتى نتمتع به. وكل من يتمتع بها الافتقاد الإلهي تتغير حياته بالكلية فنجده يتعامل مع الآخرين جميعا برحمة ورأفة، ويكون سبب بركة لكل من يعاشره أو يخالطه.
وإني أضرع إلي إلهنا الحنون حتى يقبل الصلوات المبذولة أمامه حتى يتمتع الجميع بإشراق وافتقاد المراحم الإلهية لنا ونتعمق في عشرتنا الصادقة معه فننعم بحياة الفرح والسلام وننمو في حياتنا الروحية أكثر فأكثر وأن يوفقكم جميعا في كل أمور جهادكم العملي والأسري

ليست هناك تعليقات:

 

Hit Counter
Dating Site