السبت، 23 أغسطس 2008

القراءة المسيحية للكتاب المقدس

الكتاب المقدس هو ذلك الكتاب الذي يختلف عن سائر الكتب البشرية، بقدر ما يقودنا إلى ما وراء الكلام البشري ليدخل بنا إلى سر الله. عند قراءة هذا الكتاب يجب أن نتجاوز أنفسنا لأنه كلام الله يرويه بشر يعلنون بلغتهم الخاصة مقاصد الله ومشيئته وتدبيره. وهو أخيراً تاريخ الخلاص إذ يعلن تاريخ البشرية عبر بدايتها وخلاصها وانتهائها، وملتقى الخالق والمخلوق لأنه يمثل تاريخ كل نفس منذ ولادتها حتى اتحادها بالله.
كما ان الله بكلمته اوجد الخليقة فإنه بكلمته أيضاً يوجه هذه الخليقة نحوه، والروح القدس هو من يضع أفكار الله ومقاصده في أناس مختارين ليترجموه إلى الناس بكلام بشري ومفاهيم بشرية تتناسب وعصرهم حسبما يعطيهم الروح ان ينطقوا. في الإيمان المسيحي فإن كلمة الله هي يسوع المسيح، ولذلك فنحن نقرأ الكتاب ونفهمه عندما نفتّش فيه عن الرب يسوع. وفي كل العهد القديم تدوّي صرختان " أرني وجهك " و " عرفني اسمك " . وكلمة الله كما هي في الكتاب مقولة فإنها في المسيح يسوع معطاة، لهذا السبب لا نفهم الكتاب خارج يسوع المسيح وخلاصه، وكل الكتاب يقودنا نحو حدث واحد هو تجسد الله الذي به بلغ الكتاب كماله. إن الكتاب مفتوح لنا دوماً في الليتورجيا نستعرضه كاملاً خلال السنة الطقسية ويتوضح من خلالها ، وتبقى القراءة المستمرة للكتاب في كل مرحلة من حياتنا تعطينا غذاء جديدا ودفعاً جديداً. قال أحد الآباء " العهد الجديد مخفيّ في العهد القديم ، والعهد القديم مُعلَن في العهد الجديد " وكانت كل حوادث العهد القديم ظلاً لما سيحدث لاحقاً. ويقال أن جبل موريا حيث كان ابراهيم مزمعاً تقديم ابنه اسحاق ذبيحة لله هو المكان الذي بني فيه الهيكل حيث حكم على يسوع، وان لوز التي نام فيها يعقوب ورأى سلّماً تمس السماء والملائكة تصعد وتهبط عليها هي بيت لحم حيث ولد الرب يسوع. وهؤلاء لم يفهموا ما حدث وما هو مزمع ان يحدث. يجب ألا توقفنا التفاصيل الغريبة نحن المبتدئين عن متابعة القراءة ولا ان تمنعنا عن التوغل في فصول الكتاب، فينبغي تجاوز الفضولية والسطحية وعدم تجريب روح الله بإشباع فضولنا وتساؤلاتنا، بل نسأله ان يغيرنا بروحه القدوس ويظهر لنا ذاته. لقد دعانا الرب من ارض الخطيئة فعلينا أن نجتاز برية النسك والجهاد في هذه الحياة قبل الدخول إلى ارض الميعاد، مؤمنين أنه خير لنا الموت في البرية على العودة إلى الخطيئة والعبودية، فهذه الضيقات هي لخلاصنا فيما لو تجاوزناها. لا وجه للمطابقة بين معطيات العلم الحديث والكتاب المقدس ومعانيه، لأن حقيقة الكتاب تسير على غير صعيد الحقائق العلمية. فبينما العلم هو لحقائق الكون المنظور، فإن الكتاب هو للحقائق الروحية والخلاصية. الكتاب صيغ بلغة بشر عصره ومفاهيمه في ذلك الزمان الذي كان فيه البشر يرون الشمس تدور حول الأرض، فهل يكون على الكتاب أن يتدخل ليثبت الحقيقة العلمية؟؟ يتكلم الكتاب لغة رمزية وأحياناً تتجاوز المعنى المباشر، فقصة الخلق لا يجب أن نفهمها حرفياً تماماً كما اننا لا نفهم أن الله تكلم بفم بشري مثلاً . بل إن الله يريدنا أن نفهم كبف تخلّت البشرية عن الله بملء حريتها لكن الله لم يتخلّ عنها واتم بالمسيح يسوع عودة البشرية إليه متحدة بشخص يسوع الإله المتجسد.
سندرس الخطوط الرئيسة للعهد القديم معاً على ضوء القراءة الكنسية لهذا العهد والتي هي قراءة اخرى غير القراءة اليهودية وغير قراءة من هم خارج الكنيسة المسيحية له.
الخلق والسقوط
يدعى سفر التكوين في العبرانية " برشيت " أو سفر البداية الذي يبدأ بكلمة " في البدء " الذي يعني أنه كان بدءٌ في لحظة معينة والعالم ليس أزلياً.وهو يُدخلنا في سرّ كلمة الله الخلاقة التي كانت موجودة قبل خلق العالم لأنها سابقة للنطق بها. وعلى عكس الكلام البشري فإن كلام الله يفعل بقوة حتى ولو لم يوجد طرف آخر ليقبله. وكلمة الله الخلاقة هي " سر محبة " حيث كانت حركة المحبة الأولى في إيجاد الخليقة، هذه المحبة لا تقبل بالآخر فقط بل هي سبب وجوده أيضاً. ولأن الله يعلم أن هذا المخلوق لن يبادله نفس الحب لذلك فإن آلامه بدات منذ بداية الخلق وهي آلام الرفض من الطرف الآخر. لكن الرب أحبّ حتى المنتهى حتى بذل نفسه عن البشر.
- في البدء خلق الله السموات والأرض في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله - قال الله ليكن نور فكان نور فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس - وفصل الله بين النور والظلام النور يضيء في الظلمة والظلمة لم تُدركه
هكذا كان سرّ المحبة مخفياً في العهد القديم وأجرى الإنجيلي يوحنا هذه المقاربة التوضيحية.
كلمة الله واجبة الطاعة " خزنت كلامك في قلبي كيلا أخطيء إليك " ( مز119: 11 ) وطالما كلمة الله فينا لا نخطئ ، ولكن لحظة شرود واحدة تكفي لسقوطنا في الخطيئة، تلك الخطيئة التي كانت " شهية للنظر " ( تك3: 6 ) وبها سقط البشر في هذا العالمتائهين وحيدين في عداء مع الطبيعة. لكن الله أمين لخليقته الجاحدة، فكان أن جاء ابراهيم ومعه الوعد...
الوعد
علمنا الكتاب أن الإنسان المخلوق على صورة الله وعاش في ألفةٍ معه سقط وصار يختبيء من وجه الله خجلاً، لكن الله لم يتركه. ويبدا تاريخ الخلاص مع ابراهيم من الإصحاح الحادي عشر من سفر التكوين، بينما يظهر الله فيما قبله محتملاً الوضع الجديد الناشيء من خطيئة الإنسان وحتى بالطوفان أنقذ الله نوحاً وعائلته ليعيد نظام الكون مجدداً، ومع نوح نجد الميثاق الأول. في مرحلة الوعد يعدّ الله رجلاً هو أبرام ويرتبط معه بوعد لتحقيق الخلاص، وأبرام يقبل كلام الله بأنه سيصير أمة كبيرة وبركة لشعوب الأرض. يأمره الله أن يترك أرضه منتزعاً إياه من بين أهله ومفرزاً إياه ومميزاً إياه عن سواه. ينطلق أبرام آتياً إلى أرض كنعان، ثم يقيم الله عهده مع أبراهيم حسب الطقوس الكنعانية إذ يشطرون بعض الحيوانات نصفين ويضعان كل نصف قبالة صاحبه يمرّ الفريقان بين القطع كدليل لقبولهما ان يُشطرا كما هذه الحيوانات إذا ما أخلا بالوعد، لكن اللافت للنظر وحسب سفر التكوين يمر الله وحده بين القطع كدليلٍ على أن العهد الإلهي هو من طرف واحد. وأعطى الله علامة جديدة هي الختان. كان أبرز سمات ابراهيم هو إيمانه وبفضل الإيمان عاد الله إلى السكنى بين الناس، وتمكن ابراهيم من رؤية مجد الله في رؤية ذهولية ، وما تغيير اسمه من ابرام إلى ابراهيم بعد إيمانه سوى رمزٌ لدخوله في حياة جديدة. لم يكن لابراهيم بعد ترك اهله ووطنه سوى هذا الوعد فقط، وبعد كل هذا كان أن امتحن الله ابراهيم في الاصحاح الثاني والعشرين، لأن الإيمان هو جهاد أيضاً، وأطاع ابراهيم أيضاً إلى المنتهى وسار بابنه الوحيد ليقدمه للرب محرقة على جبل موريا " جبل الهيكل لاحقاً " .
كما دعا الله ابرام يدعو أيضاً كل واحد منا " قم انطلق من أرضك " ، وما علينا سوى تلبية النداء وبدء رحلة مع الله أبدية.
العهد
هو العهد الذي قطعه الله لشعبه في سيناء بعد خروجهم من مصر، وهذا الخروج في قصته هو السفر الذي يطابق وضع كل نفس مسيحية، وقد تطلّب الخلاص حروباً والله إله حرب غير منظورة يسحق الأعداء ويحامي عن خائفيه عندما يؤمنون به. كانت الاضطهادات التي واجهت السعب لكي يفهم أن الاختيار ليس مبعث راحة في هذا العالم بل هو آلام وصليب. تمثل أرض مصر هنا ملكوت الشرير الذي يرهق الناس بالعمل الشاق، لكن الله يسمع صوت شعبه ويظهر في ارض العبودية رجل هو موسى مثل نوح منتشل من الماء، ومثل ابراهيم في قبوله لدعوة الله. موسى يقتل مصرياً قبل أن يأمره الله بشيء ويفرّ إلى أرض مديان حيث يتراءى له الله ويعلن له انه اختاره لتخليص شعبه. العبور من ارض العبودية نحو الحرية هو " الفصح " ، هو سر التحرر والإنعتاق والذي كان رسماً ظلياً للفصح الحقيقي والعبور الحقيقي من الأرض إلى السماء بيسوع المسيح فصحنا الأوحد الأكثر أبدية ونوراً. في ضربته الأخيرة للمصريين يضرب الرب أبكار مصر فيهلكون بينما ينجو أبكار العبرانيين، تحفظهم علامة الدم التي على أبواب بيوتهم، ويخرجون من مصر في تلك الليلة قبل اختمار العجين. هذه هي علامة الدم ، بدم الفصح الحقيقي فقط نخلص ونبدأ رحلة العبور من الزمن نحو الأبدية، وخروف الفصح الحقيقي هو حمل الله الرافع خطيئة العالم . بعد العبور كان لا بد من رحلة الصحراء وحياة المحنة لاختبار مدى تعلق الشعب بإلههم ومخلصهم. لكن العبرانيين كانوا شعباً قاسي الرقاب صاروا يفكرون بالعودة إلى مصر لدى اول امتحان. قضى إسرائيل أربعين عاماً في الصحراء لا ملجأ له سوى الله، في هذه الرحلة والصعوبات بقيت بقية امينة للرب لم تتغلب عليها الصعوبات. هكذا يكرّس الله الشعب لنفسه في الصحراء ويرشّ موسى الشعب بدم الذبيحة المقدسة المقدّمة للربّ والتي قبلها الله، فصار الله يعطي ذاته للشعب المكرّس له. كانت رسماً لذبيحة المسيح التي يتناول منها المكرّس للمسيح ويأخذ بها المسيح ذاته. الله اعطى نفسه لشعبه. وحضور الله مع شعبه هو استمرار لبركته، وهذا الحضور الذي صار في آخر الأزمنة " بيسوع المسيح " وحلّ محلّ الرموز الظلية مثل تابوت العهد والمظلة والهيكل " والكلمة صار جسداً وحل بيننا " لأن " فيه يحلّ كلّ ملء اللاهوت جسدياً " . في غربتهم هذه أعطاهم الله شريعته مكتوبة تاركاً مصيرها لإرادتهم، وكانت هذه الشريعة مؤدباً للشعب تنهاه عن الخطايا حتى يأتي المسيح، الذي إذا ما جاء أعتق الشعب من الخطيئة تماماً.
الملكية وأرض الميعادمات موسى دون أن يدخل ارض الميعاد وكذلك ابراهيم من قبله لم يقتنِ فيها غير قبرٍ، هذا يعني أنه ليس كل من يتمم مشيئة الله سينال المكافأة في حياته، وهكذا رسل المسيح زرعوا وآخرون فرحوا بالحصاد. كان الإستيلاء على أرض كنعان تكملة الفصح الذي بدأ في مصرورغم أمانة الله لشعبه وكونه معهم دافعاً من امامهم الشعوب، إلا أن هذا الشعب أخطأ وتبع الآلهة الغريبة، ويجمع يشوع الشعب في شكيم مخيراً إياهم بين الله الحي وآلهة أخرى، لأن الإيمان ليس متوارثاً عبر الأجيال بل يصير بملء حريتنا وإرادتنا. فالله الذي يختارنا من الأحشاء علينا بدورنا ان نختاره بملء حريتنا وإرادتنا. بعد سلسلة من امانة الله وعدم امانة البشريبقى الله بالنسبة لهم إله أعياد ومواسم إذا كانوا غالبين، وعندما يُهزمون يعود الله ليصير الملجأ الأخير. هكذا يتغير البشر في قبولهم لله بينما الله ثابت وامين. ولما صرخ الشعب إليه اختار لهم أناساً أمناء يتسلمون زمام الأمور هم القضاة. ما أن استقر الأمر للشعب حتى عاد إلى تمرده، فيطالبون صموئيل بملك يحكمهم كسائر الأمم من حولهم ( 1 صمو8: 5 )، وكان طلبهم هذا بمثابة رفض لله الذي كان يقودهم ( 1صمو8: 9 ). ورغم ذلك يقبل الرب مريداً أن يحوّل الملكية الأرضية إلى معانٍ إلهية حسب مقاصده. وهذا ما يظهر في اختيار الشعب لشاول حسب رغبتهم بينما يختار الرب داود الراعي البسيط ويأمر بمسحه ملكاً، والممسوح هو من استراح روح الله عليه والمسحة هي علامة حلول الروح. كان تابوت العهد يمثل حضور الله في وسط شعبه وكان متنقلاً غير ثابت في مكان، ويطلب الشعب مجدداً بيتاً لسكنى الله ومجده ويقبل الرب مريداً ان يحول ذلك البيت لخدمة مقاصده. لكن البيت الذي يبنى يتعلق به الشعب من دون الله.
السبي والأنبياء
بعد سكنى إسرائيل في أرض الميعاد بدأ ينسى مواعيد الله ومقاصده، فانحرف عن وضعه كشعب كهنوتي ملوكي مقدس لله، وبدأ يجاري الشعوب المجاورة التي سكن بينها. وفقد الشعب وحدته فانقسم إلى مملكتين شمالية وجنوبية . كانت مملكة الشمال تتوغل في الوثنية مخالطة الأمم ودخلت الآلهة الغريبة بفضل الملكات الغريبات. وكان لا بد من محنة تعيد هذا الشعب لحمل الرسالة التي اختير من أجلها، برية جديدة ، وكانت البرية هي السبي وفقدان الملك الزمني وهدم الهيكل والمدن ونهب الثروات واختبار العبودية مجدداً ( هوشع 2: 5-7 ) " لأَنَّ أُمَّهُمْ قَدْ زَنَتِ. الَّتِي حَبِلَتْ بِهِمْ صَنَعَتْ خِزْياً. لأَنَّهَا قَالَتْ: أَذْهَبُ وَرَاءَ مُحِبِّيَّ الَّذِينَ يُعْطُونَ خُبْزِي وَمَائِي صُوفِي وَكَتَّانِي زَيْتِي وَأَشْرِبَتِي. لِذَلِكَ هَئَنَذَا أُسَيِّجُ طَرِيقَكِ بِالشَّوْكِ وَأَبْنِي حَائِطَهَا حَتَّى لاَ تَجِدَ مَسَالِكَهَا فَتَتْبَعُ مُحِبِّيهَا وَلاَ تُدْرِكُهُمْ وَتُفَتِّشُ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَجِدُهُمْ. فَتَقُولُ: أَذْهَبُ وَأَرْجِعُ إِلَى رَجُلِي الأَوَّّلِ لأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ خَيْرٌ لِي مِنَ الآنَ " . ومع المحنة يبدأ عصر الأنبياء الذين بدؤوا يدخلون مفاهيم جديدة عن الإيمان وبان الله ليس دياناً فقط بل ويقترب من الفقراء والمتألمين في هذا العالم . بعد السبي يبني إسرائيل هيكلاً جديداً للرب وتظهر جماعة قمران الرهبانية والفئات المختلفة كالفريسيين والصدوقيين، وبينما اعتزل رهبان قمران العالم كبقية صغيرة امينة للرب ينتظرون المسيح المخلص برؤية أكثر عمقاً من الجماعة الثانية، كانت المجموعة الثانية من الفريسيين والصدوقيين والكتبة تناضل من اجل مملكة ارضية. من بين الفكار التي ظهرت بعد السبي فكرة " العدل " و" الرحمة "و " تسامي الله وديانة القلب " ( عا5: 21- 23 ، إر31: 31-34 ) وفكرة الخليقة الجديدة كما عند حزقيال ( 18: 31 و 36: 24-28 ). كما ظهرت فكرة مجيء ابن الإنسان مع ضبابية بين مجيئه الأول والثاني ( دا 7: 9-10 ).
كانت عبارة " ابن الله " مألوفة وتعني رجل الله، وقال اسرائيل عن نفسه انهم أبناء الله ( أش 53: 15-16و 64: 8 ) ، أما عبارة " ابن البشر " أو " ابن الإنسان " كما وردت عند دانيال فتعني ذلك الملك الذي سيسود على الأرض، لهذا ثار المحفل على يسوع لما أعلن انه هو ابن البشر وشق رئيس الكهنة ثيابه لأنهم فهموا انه قال عن نفسه انه ديان العالم أي الله.
معنى الإختيار وعبارة " شعب الله "
" إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب فإن لي كل الأرض وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة " ( خر19: 5-6 ).
كانت العلاقة بين شعب إسرائيل والله مميزة وهي العامل الأساسي لاستمرار هذا الشعب بعد تشتته، كان يستمد من الله معنى وجوده وغايته، فهو موجود لتحقيق مقاصد الله، وهذا بالضبط هو معنى الاختيار. فالاختيار مسؤولية وخدمة على عاتق الشعب لكي يقوم بخدمة الرسالة التي أفرز لأجلها، هذا عبء وليس امتياز لكنه عبء محيي.. الاختيار لا يعني بلغة الكتاب المقدس أن إسرائيل أفضل من الشعوب ولا يعني أنه يتميز عنها، بل إن محبة الله اقتضت أن يختار لنفسه شعباً ليتمم مقاصده من خلاله نحو الإنسانية كلها: - " لأَنَّكَ أَنْتَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ. إِيَّاكَ قَدِ اخْتَارَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِتَكُونَ لهُ شَعْباً أَخَصَّ مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الذِينَ عَلى وَجْهِ الأَرْضِ ليْسَ مِنْ كَوْنِكُمْ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ التَصَقَ الرَّبُّ بِكُمْ وَاخْتَارَكُمْ لأَنَّكُمْ أَقَلُّ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ. بَل مِنْ مَحَبَّةِ الرَّبِّ إِيَّاكُمْ وَحِفْظِهِ القَسَمَ الذِي أَقْسَمَ لآِبَائِكُمْ " ( تث7: 6-8 ) - " فَاعْلمْ أَنَّهُ ليْسَ لأَجْلِ بِرِّكَ يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ هَذِهِ الأَرْضَ الجَيِّدَةَ لِتَمْتَلِكَهَا لأَنَّكَ شَعْبٌ صُلبُ الرَّقَبَةِ " ( تث 9: 6 ) وما يأخذه المرء مجاناً يكون مؤتمناً عليه ليعطيه للآخرين ( متى10: 8 ) وهكذا كان يجب ان يكون اختيار الرب لاسرائيل مصدر تواضع وخدمة تجاه الشعوب ليكون خير شاهد لله بين الشعوب وهو ما يتكلم به أشعياء ( الإصحاحات من 40-55 ) . " هوَذَا قَدْ جَعَلْتُهُ شَارِعاً لِلشُّعُوبِ رَئِيساً وَمُوصِياً لِلشُّعُوبِ هَا أُمَّةٌ لاَ تَعْرِفُهَا تَدْعُوهَا وَأُمَّةٌ لَمْ تَعْرِفْكَ تَرْكُضُ إِلَيْكَ مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ إِلَهِكَ وَقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ قَدْ مَجَّدَكَ " ( 55: 4و5 ).
غاية الإختيار أن ينقل إسرائيل مقاصد الله إلى باقي الشعوب، ومقاصد الله هي حياة الله وبركته إلى الشعوب قاطبة، فهذا هو مدلول الوعد لابراهيم " بك تتبارك جميع أمم الأرض " ( تك12: 3 ). وكلمة " شعب الله " إنما تشير إلى شعب جديد صادر عن الله أي " خليقة جديدة ". هذه الخليقة تختلف عن سواها بسيرتها الفاضلة وبكونها " شعباً مقدساً " وكان على الشعب أن يتخلّق بأخلاق تختلف عن تلك التي للأمم ويكون سلوكه تقياً بعيداً عن الشرور وتسلط الأهواء . القداسة - التي هي فرز الشيء وتخصيصه - هي صفة مميزة لهذا الشعب التي بدونها يفقد هويته. إذا استطاع الشعب أن يكون مسكناً لله بين البشر يكون شاهداً لله بين الأمم وناقلاً لمقاصده التي هي نقيض تحارب الأمم وتنافسها؛ لأن الله يريد توحيد الشعوب على اختلافهم وتنوعهم لتتحقق فيهم صورته الثالوثية. لهذا أوجد له شعباً ، وبلا هذا الهدف يفقد الشعب معنى اختياره. هذا معنى " ملكوت كوهَنيم وغوي قدّوش " ( خر19: 6 ). وكما أن الكاهن يسام لا لأجل نفسه بل ليكون صلة حية بين الله والجماعة، كذلك كان على إسرائيل أن يكون وسيطاً بين الله والأمم ليعبر الله من خلالهم إلى الأمم ويخلصها. وهذا ما يفترض بهم محبة الشعوب الأخرى كما امرهم الله : " وَلا تَضْطَهِدِ الْغَرِيبَ وَلا تُضَايِقْهُ لانَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي ارْضِ مِصْرَ " ( خر22: 21 ) و " وَاذَا نَزَلَ عِنْدَكَ غَرِيبٌ فِي ارْضِكُمْ فَلا تَظْلِمُوهُ كَالْوَطَنِيِّ مِنْكُمْ يَكُونُ لَكُمُ الْغَرِيبُ النَّازِلُ عِنْدَكُمْ وَتُحِبُّهُ كَنَفْسِكَ لانَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي ارْضِ مِصْرَ " ( لا19: 33-34 ) و " لا تَظْلِمْ أَجِيراً مِسْكِيناً وَفَقِيراً مِنْ إِخْوَتِكَ أَوْ مِنَ الغُرَبَاءِ الذِينَ فِي أَرْضِكَ فِي أَبْوَابِكَ " ( تث 24: 14 ) .
انحراف إسرائيل عن الدعوة
" اِسْمَعُوا هَذَا يَا رُؤَسَاءَ بَيْتِ يَعْقُوبَ وَقُضَاةَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ يَكْرَهُونَ الْحَقَّ وَيُعَوِّجُونَ كُلَّ مُسْتَقِيمٍ الَّذِينَ يَبْنُونَ صِهْيَوْنَ بِالدِّمَاءِ وَأُورُشَلِيمَ بِالظُّلْمِ رُؤَسَاؤُهَا يَقْضُونَ بِالرَّشْوَةِ وَكَهَنَتُهَا يُعَلِّمُونَ بِالأُجْرَةِ وَأَنْبِيَاؤُهَا يَعْرِفُونَ بِالْفِضَّةِ وَهُمْ يَتَوَكَّلُونَ عَلَى الرَّبِّ قَائِلِينَ: «أَلَيْسَ الرَّبُّ فِي وَسَطِنَا؟ لاَ يَأْتِي عَلَيْنَا شَرٌّ!» " ( ميخا3: 9-11 ).
عاش إسرائيل صراعاً بين كونه شعباً لله ومحبته لمجاراة الأمم الأخرى، لأن الدعوة كانت تتطلب اهتداءاً متواصلاً وتحولاً عسيراً، فاستسلم للعنف على غرار باقي الأمم مبتعداً عن الخط الإلهي ومبرراً لنفسه أنه إنما يخدم الله، وجعلوا من الله ضمانة وتغطية لشهواتهم ومسالكهم ، وتناسوا أن البنوة الحقيقية لابراهيم هي في الخضوع اللا مشروط لله كما فعل ابراهيم " أمي وأخوتي من يسمع مشيئة الله ويعمل بها " . خان الشعب الرسالة التي كان يفترض به خدمتها، " ولكن إن فسد الملح فبماذا يملح ؟ " وهذا الانحراف عن الدعوة جاء بعد الخروج من مصر على عدة مراحل هي : - بعد خروجهم من مصر طلبوا من هرون أن يصنع لهم آلهة تسير أمامهم لما أبطأ عليهم موسى في النزول من الجبل ( خر 32 ). - - كان غزوه لأرض كنعان شأنه كشأن الغزوات وما يرافقها من عنف ومظالم وجرائم، وأضفى عليه مزيداً من القسوة بتبريره الظاهري الكاذب بكلمة الله، معطياً بها تغطية للمذابح التي ارتُكبت بحق الكنعانيين. وامتدت فترة الغزو نحواً من قرنين من الزمن اكتملت فيهما صورة إسرائيل كأمة على شاكلة الأمم الأخرى تتحكم بها الأطماع وشهوة المجد الباطل، ومع هذا التحول كان هناك محاولة أسوأ لتحويل الإله الذي دعا إسرائيل إلى التخلق بأخلاقه السامية إلى إله متجانس بأخلاقه مع أهواء البشر شبيهاً بآلهة الأمم الدموية المنتقمة . - - هاجس التشبه بالأمم قاد إسرائيل إلى المطالبة بملك يجسد لهم العظمة القومية ويحقق لهم مبتغاهم وهواهم بدل مقاصد الله التي لا تنسجم وإياها. والإله الذي لا يرتضي سوى الحرية التامة في علاقته بخليقته يأمر صموئيل بالاستجابة لمطالبهم. الملك داود الذي اختاره الرب أراد إقامة هيكل لله معتقداً بأن الله سانده في حروبه ولكنه يفاجأ بصد الله له ورفضه عقاباً لما أراقه من دماء، فكانت وصيته لسليمان ابنه " وَقَالَ دَاوُدُ لِسُلَيْمَانَ: «يَا ابْنِي, قَدْ كَانَ فِي قَلْبِي أَنْ أَبْنِيَ بَيْتاً لاِسْمِ الرَّبِّ إِلَهِي فَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ: قَدْ سَفَكْتَ دَماً كَثِيراً وَعَمِلْتَ حُرُوباً عَظِيمَةً, فَلاَ تَبْنِي بَيْتاً لاِسْمِي لأَنَّكَ سَفَكْتَ دِمَاءً كَثِيرَةً عَلَى الأَرْضِ أَمَامِي هُوَذَا يُولَدُ لَكَ ابْنٌ يَكُونُ صَاحِبَ رَاحَةٍ, وَأُرِيحُهُ مِنْ جَمِيعِ أَعْدَائِهِ حَوَالَيْهِ, لأَنَّ اسْمَهُ يَكُونُ سُلَيْمَانَ. فَأَجْعَلُ سَلاَماً وَسَكِينَةً فِي إِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِهِ هُوَ يَبْنِي بَيْتاً لاِسْمِي, وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْناً, وَأَنَا لَهُ أَباً وَأُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مُلْكِهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبَدِ " ( 1 أخبار22: 6-8 ). وفشل سليمان بدوره في تحقيق مقاصد الله بل استحوذ عليه نهم الاقتدار واستسلم للشهوة والمجد والطمع والهيمنة والتسلط .
- صار إسرائيل أسير دوامة العنف وحل فيه الظلم والاستبداد، وتحققت نبوءة صموئيل بأنهم يجرون على أنفسهم هلاكاً. وهذا كان موضوع إنذار الأنبياء لهم الذين هبوا يذكرونهم بدعوة الله لهم ويفضحون انحرافهم وحجم خطيئتهم وكيف أنهم واهمون بأنهم لا يزالون مقدسين لله : " لاَكُكَ يَا إِسْرَائِيلُ أَنَّكَ عَلَيَّ عَلَى عَوْنِكَ فَأَيْنَ هُوَ مَلِكُكَ حَتَّى يُخَلِّصَكَ فِي جَمِيعِ مُدُنِكَ؟ وَقُضَاتُكَ حَيْثُ قُلْتَ: أَعْطِنِي مَلِكاً وَرُؤَسَاءَ؟ أَنَا أَعْطَيْتُكَ مَلِكاً بِغَضَبِي وَأَخَذْتُهُ بِسَخَطِي " ( هو 13: 9-11 ). " وَيْلٌ لِلْبَانِي مَدِينَةً بِالدِّمَاءِ وَلِلْمُؤَسِّسِ قَرْيَةً بِالْإِثْمِ " ( حب2: 12 ) " وَذَا رُؤَسَاءُ إِسْرَائِيلَ, كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ اسْتِطَاعَتِهِ, كَانُوا فِيكِ لأَجْلِ سَفْكِ الدَّمِ فِيكِ أَهَانُوا أَباً وَأُمّاً. فِي وَسَطِكِ عَامَلُوا الْغَرِيبَ بِالظُّلْمِ. فِيكِ اضْطَهَدُوا الْيَتِيمَ وَالأَرْمَلَةَ .... أُبَدِّدُكِ بَيْنَ الأُمَمِ, وَأُذَرِّيكِ فِي الأَرَاضِي, وَأُزِيلُ نَجَاسَتَكِ مِنْكِ وَتَتَدَنَّسِينَ بِنَفْسِكِ أَمَامَ عُيُونِ الأُمَمِ, وَتَعْلَمِينَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ " ( حز22 ) " هَكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: تَأْكُلُونَ بِالدَّمِ وَتَرْفَعُونَ أَعْيُنَكُمْ إِلَى أَصْنَامِكُمْ وَتَسْفِكُونَ الدَّمَ. أَفَتَرِثُونَ الأَرْضَ؟ وَقَفْتُمْ عَلَى سَيْفِكُمْ. فَعَلْتُمُ الرِّجْسَ وَكُلٌّ مِنْكُمْ نَجَّسَ امْرَأَةَ صَاحِبِهِ. أَفَتَرِثُونَ الأَرْضَ؟" ( حز33: 25 ) - يقع إسرائيل ضحية سلوكه وتنهار المملكة القائمة على العنف والدم على يد نبوخذ نصر 587 ق.م، أربعة قرون من الملكية تهالك فيها إسرائيل على التشبه بالأمم مفسداً دعوة الله، وكان ذلك فشلاً له . ويعلن الله في( حز36: 16-28 ) عزمه على إعادة لم الشعب بعد تأديبه وإعادته وتقديسه مجدداً. - بعد انهيار بابل على يد الفرس عام 538 ق.م عاد إسرائيل، ولكنه عاد إلى تقوقعه وعنصريته، فأحيطت اورشليم بالأسوار وحٌصِّن الهيكل بعد إعادة بنائه وقام عزرا ونحميا اللذان تزعما إعادة البناء يطلبان إلى الشعب طلاق زوجاته الغريبات والتخلي عن أولاده منهنّ وإقصاء كل الغرباء من بينهم.
أمانة الله رغم الانحراف
في وسط هذا التقوقع كان هناك "بقية" للرب يتحدد ذكرها في كتب عاموص وأشعياء وهوشع وميخا وصفنيا .. ترتقب أن يقيم الله ملكاً غير ما عرفه إسرائيل في تاريخه المأساوي، خادماً للرب به تتحقق صورة " يهوه " سيفه الحق ودعوته السلام بين الأمم، يدخل مدينته على جحش متواضعاً، جامعاً كل القوة بكل الوداعة : " هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ. لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ. إِلَى الأَمَانِ يُخْرِجُ الْحَقَّ. لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ الْحَقَّ فِي الأَرْضِ وَتَنْتَظِرُ الْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ " و " مِنْ أَجْلِهِ يَسُدُّ مُلُوكٌ أَفْوَاهَهُمْ لأَنَّهُمْ قَدْ أَبْصَرُوا مَا لَمْ يُخْبَرُوا بِهِ وَمَا لَمْ يَسْمَعُوهُ فَهِمُوهُ. " ( أش 42: 1-3 و 52: 15 ) .وعبر الأنبياء أن العهد " الماسياني " سيشهد العودة الحقيقية لله لكل الشعوب وينبعث سلام الرب من أورشليم إلى العالم أجمع ( أش 2: 2-5 ).
خاتمة
لقد حقق الرب يسوع ما عجز عنه إسرائيل لأنه رفض تجربة الإنحراف عن مقاصد الله ورفض أن يكون ملكاً قومياً ( لو4: 5-8 ) وكان يعلم ان الأمم منقادة بمنطق الشيطان لهذا أسماه " سيد هذا العالم " ( يو14: 30 ) ، تحاشى تسمية نفسه بالمسيح إلا فيما ندر مفضلاً اسم " ابن الانسان " ، انتصر على كل التجارب بما فيها التي قادها بطرس تلميذه جاهلاً ( مر8: 38 ). وهكذا قاده رفضه مبدا العنف السائد إلى الصليب قائلاً لبيلاطس " مملكتي ليست من هذا العالم " ورافضاً أن يدافع عنه أحد من رجال هذا العالم. تصدى المسيح بآلامه وموته للعبة العنف والدمار التي قادها إبليس حتى اجتاحت الحياة الإلهية كيانه البشري في اليوم الثالث ليقوم من الموت وقد طاوعته إنسانيته حتى المنتهى فغمرتها الألوهة وأحيتها من الموت. بالقيامة توّج يسوع ملكاً على البشرية المتجددة وصار بكرها وصارت هي مملكته التي هي فعلاً رغم وجودها في العالم لكنها ليست من العالم.
مملكة يسوع هي الكنيسة التي هي شعب الله المختار الجديد المدعو إلى مواصلة إكمال الدور الذي أخفق فيه الشعب القديم إسرائيل، لكي تتبارك بها أمم الأرض ، هذه هي أمة ابراهيم التي وُعِد بها. اما أرض الميعاد الحقيقية فهي الملكوت السماوي الذي لايرثه غير " الودعاء " ( متى5: 4 ) الذين تعلموا من السيد " الوداعة وتواضع القلب " ( متى11: 29 ) . هذه هي اورشليم الجديدة التي رآها يوحنا اللاهوتي نازلة من السماء هيكلها هو الحمل المذبوح لأجل العالم ، يسوع المسيح ، في أروع وصف للملكوت :
" أنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا وَسَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: «هُوَذَا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْباً. وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلَهاً لَهُمْ وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ .... لَهَا مَجْدُ اللهِ، وَلَمَعَانُهَا شِبْهُ أَكْرَمِ حَجَرٍ كَحَجَرِ يَشْبٍ بَلُّورِيٍّ وَكَانَ لَهَا سُورٌ عَظِيمٌ وَعَالٍ، وَكَانَ لَهَا اثْنَا عَشَرَ بَاباً، وَعَلَى الأَبْوَابِ اثْنَا عَشَرَ مَلاَكاً، وَأَسْمَاءٌ مَكْتُوبَةٌ هِيَ أَسْمَاءُ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الاِثْنَيْ عَشَرَ مِنَ الشَّرْقِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ، وَمِنَ الشِّمَالِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ، وَمِنَ الْجَنُوبِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ وَمِنَ الْغَرْبِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ وَسُورُ الْمَدِينَةِ كَانَ لَهُ اثْنَا عَشَرَ أَسَاساً، وَعَلَيْهَا أَسْمَاءُ رُسُلِ الْحَمَلِ الاِثْنَيْ عَشَرَ... وَلَمْ أَرَ فِيهَا هَيْكَلاً، لأَنَّ الرَّبَّ اللهَ الْقَادِرَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ هُوَ وَالْحَمَلُ هَيْكَلُهَا وَالْمَدِينَةُ لاَ تَحْتَاجُ إِلَى الشَّمْسِ وَلاَ إِلَى الْقَمَرِ لِيُضِيئَا فِيهَا، لأَنَّ مَجْدَ اللهِ قَدْ أَنَارَهَا، وَالْحَمَلُ سِرَاجُهَا وَتَمْشِي شُعُوبُ الْمُخَلَّصِينَ بِنُورِهَا، وَمُلُوكُ الأَرْضِ يَجِيئُونَ بِمَجْدِهِمْ وَكَرَامَتِهِمْ إِلَيْهَا. وَأَبْوَابُهَا لَنْ تُغْلَقَ نَهَاراً، لأَنَّ لَيْلاً لاَ يَكُونُ هُنَاكَ وَيَجِيئُونَ بِمَجْدِ الأُمَمِ وَكَرَامَتِهِمْ إِلَيْهَا " ( يو21 ).

ليست هناك تعليقات:

 

Hit Counter
Dating Site