الحياة هي نفس الحياة بالنسبة إلي الكل : بحلوها ومرّها.. وقد تتشابه الظروف الخارجية بالنسبة إلي كثيرين. ولكن انفعال البعض بها يختلف عن انفعال البعض الآخر.ونظرة كل من الفريقين تختلف عن الآخر. البعض له نظرة بيضاء. والبعض له نظرة سوداء. وسنضرب أمثلة لذلك في أمور متعددة: النظرة إلي المشكلة: لا يوجد أحد لا تصادفه مشاكل في حياته. كل انسان له مشاكله. ولكن البعض ينظر إلي المشكلة بنظرة سوداء معقدة كئيبة. كما لو كانت المشكلة بلا حل. ولا مخرج ولا منفذ.. كما لو كانت ألما صرفا وضياعا.. وكأنها مأساة.. وهناك أناس تسبب لهم بعض المشاكل بأمراض صعبة: مثل ضغط الدم. أو مرض السكر. أو قد يصاب البعض بانهيار نفسي. أو بتعب في أعصابه. أو بقرحة في المعدة. وإن كنت المشكلة خطيرة - أو هي هكذا في نظره - قد يقع علي الأرض مشلولا. أو يصاب بذبحة أو بجلطة.. كل ذلك حسب درجة انفعاله بالمشكلة. وحسب مقدار ضغطها عليه.. وشعوره أنه قد أنتهي. ولا خلاص. +++أما صاحب النظرة البيضاء. فيري أن كل مشكلة لها حل ويري أن الأمر ليس خطيرا ولا مستحيلا.. وأن الله لابد أن يتدخل في المشكلة ويحلها.. والله عنده حلول كثيرة. وهكذا تمتزج المشكلة عنده بالإيمان والرجاء.. فبالإيمان يثق تماما بوجود الله أثناء المشكلة. وبيد الله العاملة سواء رأها أو لم يرها.. فلا يأبه بالمشكلة. ولا يدعها تعصره أو تحصره. ولا يسمح للمشكلة أن تضغط علي أعصابه وعلي نفسيته.. بالنظرة البيضاء يقابل المشكلة: ليس فقط بأعصاب هادئة. إنما بشعور أكثر عمقا. يري فيه أن المشكلة سوف تعطيه خبرة بالحياة. وخبرة برعاية الله. وتدريبا علي هدوء الأعصاب والفكر. كما ستكون المشكلة فرصة له. يلمس فيها يد الله العاملة في حياته. وعناية الله به. وطريقة الله في حل المشاكل.. إن المشكلة واحدة. ولكن تختلف النظرة إليها والانفعال بها. ويختلف وقعها ومقابلتها. اعني يختلف الـ Response. ***صاحب النظرة البيضاء. كان أكبر من المشكلة أما صاحب النظرة السوداء. فكانت المشكلة أكبر منه صاحب النظرة السوداء. لا يبصر الا ما في المشكلة من ألم ومن ضيق وتعب. ولذا يقابلها بخوف وانزعاج. وقد تضغط علي تفكيره فيتوقف. ويترك الأمر إلي أعصابه المنهارة. وقد يصل به الأمر إلي اليأس. وقد يصل به اليأس إلي الانتحار.. أما صاحب النظرة البيضاء. فيضع رعاية الله بينه وبين المشكلة. فتختفي المشكلة. وتبقي رعاية الله هي الظاهرة.. ***صاحب النظرة السوداء. يري أن كل نهار يعقبه ليل مظلم أما صاحب النظرة البيضاء. فيري أن كل ليل مظلم يأتي بعده نهار مضئ النظرة السوداء تتعب من كل خطأ موجود والنظرة البيضاء تقول إن كل خطأ يمكن تصحيحه. ***النظرة إلي المادة وهي تتناول نظرة الإنسان إلي المادة عموما. وإلي المال. وإلي الجسد. انسان ينظر إلي المادة. كأداة يُخدم بها الله. وآخر ينظر إلي المادة. كوسيلة لإشباع الشهوات! المادة هي نفس المادة. ولكن نوعية النظرة إليها. تحدد نوعية العلاقة بها والتصرف معها. هل المادة تملكك. أم أنت تملكها؟! والمال هو نفس المال. ولكنه في يد البعض يستخدمه للخير. وهو في يد الغير يهلكه! لأن نظرة الواحد إليه غير نظرة الآخر. نفس الوضع بالنسبة إلي الجسد. يستخدمه البعض في الركوع والسجود وخدمة الله. وخدمة المجتمع. بينما ينظر إليه البعض كأداة لإشباع شهواته. وكأنه شر في ذاته. وعنه تصدر خطايا عديدة. ***كذلك تختلف النظرة إلي الشئ من حيث الاعتقاد فيه: هل هو محلل أم محرم أم نجس.. * نفس الوضع تقريبا بالنسبة إلي التدخين وشرب الخمر. إنسان يكره رائحة السيجارة ولا يطيقها. ويكاد يختنق من رائحتها ولو بعيدا. هذا غير شخص آخر مدمن للتدخين. وما يقال عن التدخين يقال عن الخمر بشتي أنواعها.. * أيضا نظرة الرجل إلي النساء. سواء إلي المحرمات منهن. أو إلي المرأة العادية. نظرة رجل إلي امرأة انها محرمة عليه من جهة نوع القرابة أو النسب. غير نظرته إلي امرأة ليست من المحرمات. إن يوسف الصديق لم يستطع أن يقترب من امرأة سيده - علي الرغم من طلبها ذلك منه - ذلك لأن عقيدته لا تسمح له بالاقتراب من امرأة رجل آخر. يمكن أن نطبق مثل هذه النظرة علي كل المحرمات من الخطايا. ***بين الشكر والتذمر إنسان ينظر إلي الذي معه. فيرضي ويشكر وآخر ينظر إلي الذي ينقصه. فيشكو ويتذمر وقد يكون الاثنان في نفس الظروف ونفس الأوضاع. فما هي نظرتك أنت؟ هل تنظر إلي الذي معك؟ أم إلي الذي ينقصك؟ والذي ينظر إلي ما ينقصه. لا يهدأ من الطلب. كذلك الذي ينظر إلي ما في أيدي غيره. ويقارن.. كثير من الذين يتذمرون ويتعبون: لو أنهم نظروا الي الذي معهم. لوجدوا أنهم في خير. وقد أعطاهم الرب الكثير والكثير. ولكنهم لم ينظروا إلي ما عندهم.. ***نفس الوضع نقوله بالنسبة إلي المناصب والألقاب قد يكون انسان في وظيفة مرموقة يحسده عليها الكثيرون. وقد يكون معه من المال ما يجعله من كبار الأثرياء. ومع ذلك كله فإنه يشقي! لماذا؟ لأنه ينظر إلي عضوية مجلس تشريعي أو عضوية مجلس المدينة. أو عضوية هيئة كبيرة أو ناد مشهور..! أو أنه يشتهي وساما أو لقبا. أو ينظر إلي أصحاب الدرجات العلمية والشهادات الجامعية. مما ليس له. فيشكو حظه وتتعب نفسيته! ما أكثر النعم والخيرات التي تحيط ببعض الناس. ولكنهم لا ينظرون إليها. بل ينظرون إلي شئ غيرها ينقصهم! وإن حصلوا علي ذلك الشئ. لا يكتفون. بل ينظرون إلي مستوي آخر أعلي وأبعد ينقصهم..! وقد يتذمرون وهم في وضع يشتهيه غيرهم ولا يجده! هنا الاختلاف بين نظرة القناعة البيضاء ونظرة الطمع السوداء. إذن بنوع نظرة الانسان يسعد نفسه. وبنوع نظرته يشقيها وهكذا. فإنه ليست الظروف الخارجية هي التي تتعبه. وإنما يتعبه أسلوبه في التفكير. ونوع نظرته إلي الحياة. ***النظرة إلي أعمال الآخرين: انسان ينظر إلي الخير الذي في الناس. فيمتدحهم وانسان آخر لا ينظر إلا إلي النقائص والعيوب. فيذم ويعيّر هذا النوع الثاني له نظرة نقّادة. لا تري إلا الشئ الأسود! وتتخصص في رؤية العيوب. حتي بالنسبة إلي شخص يمدحه الكل وهو موضع رضي الكل. ومع ذلك ما أسهل أن يوجد فيه شئ يُنتقد. هذا النوع يتعود أن ينتقد ويعارض. ويتكلم بالسوء علي كل أحد. ولا يعجبه أي تصرف. علي الأقل بالنسبة إلي شخص معين أو مجموعة معينة أما أصحاب النظرة البيضاء. فهم عكس ذلك. ***لو كانت لك النظرة البيضاء ستري في كثيرين شيئا يُحبّ ويُمتدح درّب نفسك علي هذه النظرة: أن تنظر إلي محاسن الناس وليس إلي عيوبهم. هناك نظرة واقعية: أن تري ما فيهم من محاسن ومن عيوب. ولكن أي النوعين له التأثير الأكبر عليك؟ الذي لا ينظر إلا إلي العيوب. قد تجده ساخطا علي الكل.. لا يعجبه شئ.. كل ما يراه هو موضع انتقاد.. وبعض الذين ينادون بالإصلاح. لا ينظرون إلا إلي السواد فقط.. ويحتار البعض معهم كيف يرضونهم! هم باستمرار عدوانيون Aggressive لابد أن يجدوا شيئا يهاجمونه. فإن لم يجدوا فيخترعونه..! ***وبعض أصحاب النظرة السوداء: بدلا من الهجوم. يتحولون إلي الانعزال! بسبب نظرتهم السوداء. ينفرون من المجتمع. وينطوون علي أنفسهم. إذ لا يجدون شيئا يعجبهم أو يرضيهم.. بل هم ساخطون علي كل شئ. وأحيانا يصاب هؤلاء بأمراض نفسية أهمها مرض الكآبة Despression فتجد الواحد منهم حزينا كئيبا. ينتظر أن يري الشر أمامه.. وأحيانا يخاف المجتمع. ويظن أن الغالبية تدبر له ما يضايقه. وهكذا يقع في عقدة الاضطهاد Perseuction Complex ويخيل إليه أن كثيرين يريدون الإضرار به! أو قد يصاب بالعصبية. فتجده دائما "غضوبا" حاد الطبع عالي الصوت. يحتد وربما بلا سبب يدعو إلي ذلك. وفي غضبه يثور ويتكلم بما لا يليق. إنه لا يري سوي سواد يثيره! وربما يُحارَب بالشكوك في كل شئ: في كل ما يحيط به. يفترض أسبابا سوداء تدعوه إلي الشك! وإن بدأ الشك يحاربه. يلتقطه الشيطان لكي يضيف إليه مخترعات وأسبابا تزيد من شكه. حتي يصبح في جحيم من الشك. وكل هذا بسبب نظرته السوداء التي تفترض الشك. بعكس غيره من أصحاب النظرة البيضاء الذين يؤولون نفس الأمور تأويلا طيبا لا يحزن النفس. إن كثيرا من الشكوك ليس الدافع إليها أسبابا خارجية. بل هناك مصدر آخر وهو حالة القلب والفكر من الداخل. قد تكون النظرة السوداء إذن مرضا نفسيا نتجت عنه هذه النظرة وربما تؤدي هذه النظرة السوداء إلي مرض نفسي. فتكون سببا أو نتيجة. أي أنه إذا بدأ بالنظرة السوداء. قد يصل إلي المرض النفسي. أو إذا بدأ بالمرض النفسي. تكون من نتائجه النظرة السوداء. وبالنظرة السوداء يفقد الإنسان سلامة القلب. بعكس صاحب النظرة البيضاء الذي يحيا باستمرار في بشاشة وفرح. والعجيب أن النظرة السوداء قد تأتي في العلاقة مع الله! ***في العلاقة مع الله: الشيطان قد يحارب صاحب النظرة السوداء حتي في علاقته مع الله. فيصور له أن الله لا يهتم به. وأن الله قد أهمله. وأنه لا يستجيب صلواته. أو أنه يضطهده ويعاقبه! وهكذا بالنظرة السوداء يوصله الي التجديف! وبإيعاز من الشيطان. فإن صاحب النظرة السوداء لا يشعر فقط بأن الناس ضده. وإنما الله أيضا ضده. والسماء مغلقة في وجهه! إذ يهمس الشيطان في أذنه - أثناء ضيقاته - "لماذا يعاملك الله هكذا؟! لماذا يتركك في تعبك. ولا يهتم بك!"
الثلاثاء، 25 أغسطس 2009
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق