حــق العـــودة: "معاذ الرب أن أعطيك ميراث آبائي"
كلمة الأب الدكتور حنا كلداني ، في "الملتقى الاردني لحق العودة"، الذي دعا اليه حزب جبهة العمل الاسلامي في المركز الثقافي
لا ضرورة للتأكيد أمور باتت بديهية، بأن حق العودة حق مقدس تضمنه الشرائع الإنسانية والسماوية والقانون الدولي. وقد ورد صراحة في القرارات الدولية ذات الشأن في القضية الفلسطينية. ولكن الأجدر بنا التنبيه إلى المخاطر والمخاوف من ضياع هذا الحق.
ومن الممكن نظريا، لا قدر الله، أن يكون حق العودة عرضة للمساومات والتنازلات، ضمن اتفاقية أو اتفاقيات بين الطرف الفلسطيني والأطراف العربية وإسرائيل ضمن واقع الوهن العربي. وحق العودة له وجهان، الأول وجه مطلق، هو وديعة الأجيال القادمة. والثاني وجه نسبي، تحكمه القدرات والإمكانات المتاحة ولعبة السياسة الدولية. ولن نجد أجدر من الأردنيين وعلى رأسهم القيادة الهاشمية للإسهام في الحفاظ على هذا الحق، كظهر وسند للأخوة الفلسطينيين.
"إن تمسك الأردن بحق اللاجئين في العودة والتعويض موقف ثابت لن يتغير، وإن لا قوة قادرة على أن تفرض على الأردن أي موقف يتعارض مع مصالحه". هذا الكلام ليس لي، ولكن لسيد البلاد جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين يوم الثلاثاء 4-8-2009. فلن نجد احرص من الهاشميين في الحفاظ على هذا الحق. ليس من الغريب أن يتعرض حق العودة للتجريح والنكران من الأعداء، ولكن المستغرب أن يكون هذا الحق مادة للإشاعات بين الأهل من أبناء الوطن الواحد. وقد لمح جلالته إلى هذه الإشاعات بقوله: "الحمد لله الريف والبادية والمخيمات خارج دائرة الإشاعات التي تبدأ في الصالونات السياسية في عمان ومن يقف وراءها. وان المواطن الأردني الذي اعرفه لا يستمع إلى هذه الإشاعات".
جاء قداسة البابا بندكتوس السادس عشر حاجا إلى بلادنا المقدسة في أيار المنصرم. وحل خليفة القديس بطرس ضيفا على أبي الحسين، سليل الدوحة الهاشمية، ونبيل العترة الشريفة، فكان على الرحب والسعة في قلوب الأردنيين. وتعرض في خطاباته لحق الشعب الفلسطيني في وطن كريم على أرضه. فاكتسب حق العودة شرعية أخلاقية دينية مسيحية بجانب شرعيته السياسية العامة والعربية والإسلامية... ففي خطاب قداسة البابا في مخيم اللاجئين، عايدة، في بيت لحم، وقال في هذا السياق. " تتيح لي هذه الزيارة السعيدة إلى مخيم عايدة للاجئين التعبير عن تضامني مع كل الفلسطينيين بدون مأوى الذين يأملون بالعودة إلى مسقط رؤوسهم والعيش في وطن لهم. .... تطلعاتكم المشروعة إلى وطن دائم، إلى دولة فلسطينية مستقلة، لم تتحقق بعد". ويبدو أن قداسة البابا قد استعمل صيغة الحاضر، المضارع، في الحديث عن القضية الفلسطينية، بينما استعمل صيغة الماضي في الحديث عن المحرقة، ولصيغ الأفعال دلالتها الخاصة في الخطاب البابوي. إن كلام البابا الواضح البين حول الوطن الفلسطيني وحق العودة، لم يتم إبرازه عربيا وإسلاميا، وهو خطاب متزن وصريح ويلقى الترحاب والإصغاء في جميع أنحاء العالم.
ما هو الموقف الذي على الفلسطينيين والعرب من خلفهم أن يتبنوه بشأن حق العودة. لا أجد أفضل من المثل الإسرائيلي، حسب رأيهم، تجاه عودة اليهود إلى فلسطين، وتطبيق هذا المثل على الواقع الفلسطيني، من باب الاستفادة من خبرة الغير وحتى لو كان عدوا. إن إسرائيل منذ قيامها على الأرض الفلسطينية سنة 1948، كانت المظلة لحق أي يهودي من الشتات –الدياسبورا- في العودة إلى إسرائيل. ولم تساوم إسرائيل أو تتراجع قط عن هذا الموقف. وإن لم يعد كل اليهود إلى إسرائيل، وظلوا يقطنون في مختلف دول العالم، ولكن نظريا ومن الناحية القانونية والعملية أي يهودي له الحق في العودة، وتضمن له إسرائيل هذا الحق متى قرر أخذه. أسوة بهم يجب على الفلسطينيين ممثلين في السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وكل أجنحة العمل الفلسطينية كفتح وحماس وغيرها أن لا تتنازل أبدا عن هذا الحق في أي مفاوضات أو اتفاقيات. عودة شتات اليهود إلى فلسطين حسب رأيهم عمرة يزيد على مئات السنين، ولم يكل اليهود أو يملوا من جمع شتاتهم بكل الوسائل المتاحة بما فيها غير الشرعية، فكيف لنا أن نمل أو نضعف أو نحاول تصفية حق عودتنا ولم يتجاوز عمر مأساتنا الستين عاما! ولم يزل الكثير من اللاجئين يحتفظون بمفاتيح بيتهم في قلوبهم، فلا نخذل حقا بينا واضحا كعين الشمس.
وأخيرا،،، الخطر يكمن اليوم في مرحلة التسوية النهائية، فقد يكون، لا قدر الله، دفن حق العودة لحساب الدولة، أو شبه الدولة... لست سياسيا، ولا أسعى أن أكون كذلك، ولكن أقرأ التاريخ برؤية دينية مسيحية إسلامية في آن واحد، تعظم الحد الفاصل بين الحرام والحلال في غياهب السياسة. فاختياري أنا هو للحل المطلق القائم على العدل المطلق، أما ما هو نسبي فاتركه لرجال السياسة.
فالكتاب المقدس، وكل الكتب المقدسة، تحرضنا على عدم التفريط بالأرض، فقد جاء في سفر الملوك الثالث: "معاذ الرب أن أعطيك ميراث آبائي" (الكتاب المقدس، سفر الملوك الثالث،31: 3). ففي الأرض سهم من الدين وبعض من العرض.
والإنسان عرضة للحساب لدى رب العالمين، فليحسن المواقف والاختيارات لذاته ولمن بعده، فقد جاء في نهج البلاغة: "إِنَّ الْمَرْءَ إِذَا هَلَكَ قَالَ النَّاسُ: مَا تَرَكَ؟ وَقَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ: مَا قَدَّمَ؟ لله آبَاؤُكُمْ! فَقَدِّمُوا بَعْضَاً يَكُنْ لَكُمْ قَرْضاً، وَلاَ تُخَلِّفُوا كُلاًّ فَيَكُونَ عَلَيْكُمْ."
ولو خيرت بين سلطة على بعض الناس دون الأرض ودون مبدأ العودة، ودولة دون سلاح وحدود وهواء وماء على نكهة الكنتونات، وبين حق كامل في ارض آبائي وأجدادي أخذه بعد ألف عام في امتداد أحفادي، لاخترت حق العودة في طبق من جمر، على شبه دوله على طبق من فضة. واسلم عليكم.
الأب د. حنــا كلداني
ومن الممكن نظريا، لا قدر الله، أن يكون حق العودة عرضة للمساومات والتنازلات، ضمن اتفاقية أو اتفاقيات بين الطرف الفلسطيني والأطراف العربية وإسرائيل ضمن واقع الوهن العربي. وحق العودة له وجهان، الأول وجه مطلق، هو وديعة الأجيال القادمة. والثاني وجه نسبي، تحكمه القدرات والإمكانات المتاحة ولعبة السياسة الدولية. ولن نجد أجدر من الأردنيين وعلى رأسهم القيادة الهاشمية للإسهام في الحفاظ على هذا الحق، كظهر وسند للأخوة الفلسطينيين.
"إن تمسك الأردن بحق اللاجئين في العودة والتعويض موقف ثابت لن يتغير، وإن لا قوة قادرة على أن تفرض على الأردن أي موقف يتعارض مع مصالحه". هذا الكلام ليس لي، ولكن لسيد البلاد جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين يوم الثلاثاء 4-8-2009. فلن نجد احرص من الهاشميين في الحفاظ على هذا الحق. ليس من الغريب أن يتعرض حق العودة للتجريح والنكران من الأعداء، ولكن المستغرب أن يكون هذا الحق مادة للإشاعات بين الأهل من أبناء الوطن الواحد. وقد لمح جلالته إلى هذه الإشاعات بقوله: "الحمد لله الريف والبادية والمخيمات خارج دائرة الإشاعات التي تبدأ في الصالونات السياسية في عمان ومن يقف وراءها. وان المواطن الأردني الذي اعرفه لا يستمع إلى هذه الإشاعات".
جاء قداسة البابا بندكتوس السادس عشر حاجا إلى بلادنا المقدسة في أيار المنصرم. وحل خليفة القديس بطرس ضيفا على أبي الحسين، سليل الدوحة الهاشمية، ونبيل العترة الشريفة، فكان على الرحب والسعة في قلوب الأردنيين. وتعرض في خطاباته لحق الشعب الفلسطيني في وطن كريم على أرضه. فاكتسب حق العودة شرعية أخلاقية دينية مسيحية بجانب شرعيته السياسية العامة والعربية والإسلامية... ففي خطاب قداسة البابا في مخيم اللاجئين، عايدة، في بيت لحم، وقال في هذا السياق. " تتيح لي هذه الزيارة السعيدة إلى مخيم عايدة للاجئين التعبير عن تضامني مع كل الفلسطينيين بدون مأوى الذين يأملون بالعودة إلى مسقط رؤوسهم والعيش في وطن لهم. .... تطلعاتكم المشروعة إلى وطن دائم، إلى دولة فلسطينية مستقلة، لم تتحقق بعد". ويبدو أن قداسة البابا قد استعمل صيغة الحاضر، المضارع، في الحديث عن القضية الفلسطينية، بينما استعمل صيغة الماضي في الحديث عن المحرقة، ولصيغ الأفعال دلالتها الخاصة في الخطاب البابوي. إن كلام البابا الواضح البين حول الوطن الفلسطيني وحق العودة، لم يتم إبرازه عربيا وإسلاميا، وهو خطاب متزن وصريح ويلقى الترحاب والإصغاء في جميع أنحاء العالم.
ما هو الموقف الذي على الفلسطينيين والعرب من خلفهم أن يتبنوه بشأن حق العودة. لا أجد أفضل من المثل الإسرائيلي، حسب رأيهم، تجاه عودة اليهود إلى فلسطين، وتطبيق هذا المثل على الواقع الفلسطيني، من باب الاستفادة من خبرة الغير وحتى لو كان عدوا. إن إسرائيل منذ قيامها على الأرض الفلسطينية سنة 1948، كانت المظلة لحق أي يهودي من الشتات –الدياسبورا- في العودة إلى إسرائيل. ولم تساوم إسرائيل أو تتراجع قط عن هذا الموقف. وإن لم يعد كل اليهود إلى إسرائيل، وظلوا يقطنون في مختلف دول العالم، ولكن نظريا ومن الناحية القانونية والعملية أي يهودي له الحق في العودة، وتضمن له إسرائيل هذا الحق متى قرر أخذه. أسوة بهم يجب على الفلسطينيين ممثلين في السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وكل أجنحة العمل الفلسطينية كفتح وحماس وغيرها أن لا تتنازل أبدا عن هذا الحق في أي مفاوضات أو اتفاقيات. عودة شتات اليهود إلى فلسطين حسب رأيهم عمرة يزيد على مئات السنين، ولم يكل اليهود أو يملوا من جمع شتاتهم بكل الوسائل المتاحة بما فيها غير الشرعية، فكيف لنا أن نمل أو نضعف أو نحاول تصفية حق عودتنا ولم يتجاوز عمر مأساتنا الستين عاما! ولم يزل الكثير من اللاجئين يحتفظون بمفاتيح بيتهم في قلوبهم، فلا نخذل حقا بينا واضحا كعين الشمس.
وأخيرا،،، الخطر يكمن اليوم في مرحلة التسوية النهائية، فقد يكون، لا قدر الله، دفن حق العودة لحساب الدولة، أو شبه الدولة... لست سياسيا، ولا أسعى أن أكون كذلك، ولكن أقرأ التاريخ برؤية دينية مسيحية إسلامية في آن واحد، تعظم الحد الفاصل بين الحرام والحلال في غياهب السياسة. فاختياري أنا هو للحل المطلق القائم على العدل المطلق، أما ما هو نسبي فاتركه لرجال السياسة.
فالكتاب المقدس، وكل الكتب المقدسة، تحرضنا على عدم التفريط بالأرض، فقد جاء في سفر الملوك الثالث: "معاذ الرب أن أعطيك ميراث آبائي" (الكتاب المقدس، سفر الملوك الثالث،31: 3). ففي الأرض سهم من الدين وبعض من العرض.
والإنسان عرضة للحساب لدى رب العالمين، فليحسن المواقف والاختيارات لذاته ولمن بعده، فقد جاء في نهج البلاغة: "إِنَّ الْمَرْءَ إِذَا هَلَكَ قَالَ النَّاسُ: مَا تَرَكَ؟ وَقَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ: مَا قَدَّمَ؟ لله آبَاؤُكُمْ! فَقَدِّمُوا بَعْضَاً يَكُنْ لَكُمْ قَرْضاً، وَلاَ تُخَلِّفُوا كُلاًّ فَيَكُونَ عَلَيْكُمْ."
ولو خيرت بين سلطة على بعض الناس دون الأرض ودون مبدأ العودة، ودولة دون سلاح وحدود وهواء وماء على نكهة الكنتونات، وبين حق كامل في ارض آبائي وأجدادي أخذه بعد ألف عام في امتداد أحفادي، لاخترت حق العودة في طبق من جمر، على شبه دوله على طبق من فضة. واسلم عليكم.
الأب د. حنــا كلداني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق