الخميس، 25 سبتمبر 2008

علاقة الله بالإنسان قوامها الحب والعطاء

إن الله دائما يعطي‏,‏ ويعطي بسخاء‏,‏ ويعطي للكل‏,‏ هو يعطي دون أن نطلب‏,‏ ويعطي فوق ما نطلب‏,‏ وهو يعطينا ما نعطيه للغير‏,‏ وفي كل ذلك يعلمنا العطاء‏,‏ وقد بدأت علاقة الله بالإنسان‏,‏ بالحب والعطاء‏.‏
**‏كان الله وحده منذ الأزل‏,‏ لم يكن هناك غيره‏,‏ ثم أحب أن نوجد فأوجدنا‏,‏ وكانت النعمة الأولي التي أعطانا إياها هي نعمة الوجود‏,‏ لم يكن الله محتاجا إلي وجودنا بل نحن المحتاجون إليه‏,‏ وخلقه لنا كان من فرط تواضعه‏,‏ إذ لم يشأ أن يوجد وحده‏,‏ بل أوجد مخلوقات أيضا توجد معه‏.‏
**‏ والعطية الثانية التي أعطاها الله للإنسان‏,‏ كانت بأن خلقه في أحسن تقويم‏,‏ وميزه عن باقي المخلوقات الأرضية بالعقل والنطق والفهم‏,‏ وأعطاه أيضا حرية الإرادة والسلطان علي حيوانات البرية وطير السماء وسمك البحر‏,‏ بل جعله خليفة الله في أرضه‏.‏
**‏ وعندما خلق الله الإنسان أعطاه أيضا الصحة والقوة والجمال‏,‏ كان الإنسان الأول في منتهي الجمال حينما خلقه الله‏,‏ وكانت النقاوة والطهارة تضفي عليه جمالا آخر‏,‏ وكان كاملا جسدا ونفسا وروحا قبل أن تغير الخطية من صورته‏.‏
**‏ ومنح الله الإنسان الأول البركة‏:‏فبارك آدم وحواء‏,‏ ثم بارك نوحا وبنيه‏,‏ وبارك إبراهيم أب الآباء والأنبياء‏,‏ وبارك محبيه من البشر ومن الأنبياء‏,‏ وجعلهم بركة للعالم‏,‏ ومنح كل أولئك كرامة ومجدا‏,‏ في الأرض وفي السماء‏.‏
**‏ ومنح الله البشرية نعمة البقاء‏,‏ والاستمرارية في الوجود‏,‏ وذلك عن طريق الزواج‏,‏ بأن خلق الإنسان ذكرا وأنثي‏,‏ ليثمروا ويكثروا ويملأوا الأرض‏.‏
**‏ ولما مات الإنسان‏,‏ أعطاه الله نعمة القيامة من الأموات‏,‏ فسوف يقوم البشر في اليوم الأخير ليحيوا حياة أخري‏,‏ وهكذا أعطي الله للبشر نعمة الخلود‏,‏ لكي يحيوا إلي الأبد في حياة أخري لا تكون لها نهاية‏.‏
**‏ وفي محبة الله للإنسان‏,‏ منحه مواهب وعطايا صالحة‏,‏ تتعدد هذه المواهب من شخص إلي آخر‏,‏ بعضها مواهب عقلية‏,‏ والبعض مواهب روحية‏,‏ ووصلت مواهبه لمختاريه إلي حد صنع المعجزات‏,‏ وأعطي البعض حكمة‏,‏ كسليمان‏,‏ وللبعض موهبة الرؤي وتفسير الأحلام كما كان لدانيال ويوسف الصديق‏.‏
**‏ وأعطي الله للإنسان موهبة الحديث معه‏,‏ كما كان موسي كليم الله‏,‏ وإبراهيم خليلا لله‏.‏ بل أعطي البشرية كلها شرف الحديث معه في الصلاة وأعطي البعض شرف خدمته ونشر ملكوته علي الأرض كما حدث مع الأنبياء والرسل‏,‏ وخدام الله في كل عصر ومكان‏,‏ وألهم هؤلاء ما يقولون للناس‏,‏ وأعطي الأنبياء موهبة الوحي الإلهي‏.
‏ **‏ ولما أخطأ كثير من الناس‏,‏ فإن الله لم يتركهم في سقطاتهم‏,‏ بل أعطاهم روح التوبة والرجوع إليه‏,‏ وأعطاهم أيضا المغفرة‏,‏ وكل هذا من حنان الله ورحمته‏.‏
**‏ وأعطي الله للإنسان أن يكون له صلة بالقوات السمائية‏,‏ وذلك عن طريق عمل الملائكة من أجل البشر‏,‏ فهناك ملائكة تبشرهم‏,‏ وملائكة تنذرهم‏,‏ وملائكة تعينهم وتنقذهم‏,‏ بل أعطاهم أيضا أن يحيوا مع الملائكة في العالم الآخر فيما بعد‏.‏
**‏ وأعطي الله للإنسان كل ما يحتاجه علي الأرض من العناية‏,‏ وكفل له حاجته من الطعام والشراب والملبس‏,‏ وجعل في الأرض خيرات تكفي لكل البشر‏,‏ إن حسن توزيعها‏.‏
**‏ ومن أهم العطايا الإلهية للإنسان‏:‏ الرعاية فالله لم يخلق الإنسان ويتركه وحده بل لا يزال يرعاه في كل مكان وعبر الأجيال‏,‏ ويرسل له رعاة يهتمون به ويحلون مشاكله ويمنحونه العون والمساعدة‏.‏
**‏ ومن عطايا الله للإنسان‏,‏ إرشاده له عن طريق الحياة‏,‏ وتعريفه بالطريق السليم الذي يسلك فيه‏,‏ وهكذا منحه الوصايا الإلهية التي صارت نورا له في الطريق‏,‏ ومنحه أيضا الضمير الذي يميز بين الخير والشر‏,‏ ويحث علي الخير‏,‏ ويحذر من الخطأ‏,‏ ويقود الإنسان إلي التوبة‏,‏ وإلي محبة الله وطاعته‏.
‏ **‏ وقد أعطي الله للإنسان قلبا يشتاق إليه‏,‏ وأعطاه أيضا نعمة الإيمان به‏,‏ حتي إننا نشكر الله ونقول له في صلواتنا‏:‏ أعطيتني علم معرفتك فما أجمل هذه العطية أن نعرف الله وأن تكون لنا به صلة‏,‏ وتستمر هذه الصلة من الآن وإلي الأبد‏.‏
**‏ أعطانا الله أيضا أن نعتمد عليه‏,‏ وأن نطلبه في ضيقاتنا‏,‏ فيستجيب لنا ويعيننا‏,‏ وهكذا نشكره علي كل إحساناته إلينا‏,‏ ونشعر أننا لسنا وحدنا في هذا العالم‏,‏ وإنما هناك قوة من فوق تسندنا في طريق الحياة‏.‏
**‏ أعطانا الله أيضا المحبة التي نحبه بها‏,‏ والتي نحب بها بعضنا البعض والتي بها نعطي للغير بقدر ما نستطيع‏:‏ نعطيهم حبا‏,‏ ونعطيهم نصيحة وفكرا‏,‏ ونعطيهم من الأمور المادية التي أعطانا الله إياها‏,‏ وفي كل هذا لانعتبر أنفسنا إننا نعطي‏,‏ وإنما نوصل خيرات الله للناس‏.
‏ **‏ إن داود النبي تذكر عطايا الله وإحساناته إليه فقال في المزمور‏:‏ باركي يا نفسي الرب وكل ما في باطني فليبارك اسمه القدوس‏,‏ باركي يا نفسي الرب ولاتنسي كل إحساناته‏.‏ وهكذا أعطانا درسا في أن نتذكر كل إحسانات الله إلينا‏,‏ وكل إحساناته إلي أحبائنا ومعارفنا وإلي وطننا أيضا‏.‏
**‏ إن كل عطية صالحة تصل إلينا‏,‏ لا شك أن مصدرها هو الله الذي أعطاها‏,‏ غير أننا كثيرا ما ننسب ما يصل إلينا من خيرات لغير الله‏,‏ ننسب ذلك إلي بعض الناس‏,‏ أو إلي ذكائنا الخاص‏,‏ أو إلي الظروف المحيطة‏,‏ وبهذا يقل شكرنا لله‏,‏ ويقل اعترافنا بجميله‏,‏ وتقل صلتنا به واعترافنا بأننا لولاه ما كنا شيئا علي الإطلاق‏.
‏ **‏ اجلس يا أخي إلي نفسك‏,‏ واطلب من ذاكرتك أن تجول في كل عمل الله من أجلك منذ أن ولدت وإلي هذه اللحظة‏,‏ وتأمل في كل خطوة أنجح الله فيها طريقك‏,‏ أو أعطاك نعمة في أعين الناس‏,‏ أو أنقذك من مشكلة‏,‏ أو ستر عليك ولم يشأ أن يكشفك‏..‏ ثم أشكر الله المعطي‏.‏ وحتي وإن كانت عطاياه قد وصلت إليك عن طريق آخرين‏,‏ فاشكره أيضا لأنه استخدم هؤلاء من أجل منفعتك‏.‏
بقلم: قداسة البابا شنودة الثالث نقلا عن جريدة الأهرام

ليست هناك تعليقات:

 

Hit Counter
Dating Site