الأربعاء، 17 سبتمبر 2008

حية تحمل حياة

جلست معها واستمعت إليها وهي تصف باكية ما آلت إليه حياتها من صراع وتعب بسبب أكاذيب العدو التي ملأت حياتها. أما الآن، وبعد عدة شهور، تعال استمع إلى كلماتها الشخصية وهي تصف حياتها بعد أن تعامل معها الرب ووقفت تشهد عن عمله العظيم معها، فقالت:"...أعطيت لإبليس فرصة لأن يسيطر علىّ بأفكار كذب صدقتها عن نفسي حتى ابتدأت أبتعد وأبتعد عن الرب. وكلما حاولت بطرقي البشرية الاقتراب منه فشلت، مما زادني ابتعاداً عنه إلى أن وصلت لمرحلة تبلد ولامبالاة ولم يعد يهمني ما آلت إليه حياتي من سوء..انخدعت بأفكار إبليس الكاذبة واقتنعت بأني إنسانه فاشلة ولا يوجد معنى لشخصيتي. بدأت أصدق هذه الأفكار وأتصرف من هذا المنطلق، فهربت من أية مسئولية خوفاً من الفشل الذريع، مع العلم إنني إنسانه ناجحة جداً في الواقع العملي. التحقت بكلية مرموقة ونجحت في دراستي، وأتميز بعلاقات سليمة مع الآخرين إلا أن إحساس الفشل دائماً ما يسيطر علىّ ويمتلكني بشدة.. كما ملأني العدو بمشاعر رفض رغم أن كل الشواهد تؤيد أنني محبوبة؛ محبوبة من أسرتي وأصدقائي ومن كل وسط أتواجد فيه، ولكنني صدقت أفكار إبليس حتى شعرت أنني لا أطيق الحياة..كما تخيلت بل واقتنعت بأنني أسوأ إنسانه على وجه الأرض؛ سيئة من الداخل لذلك يرفضني الناس ولا يحتملوا شخصيتي (رغم أن هذا لم يحدث).. وسيئة من الخارج أي "شكلي وحش" حتى كنت أقف أمام المرآة أقول بحزن "يا رب يعني أنت كان ممكن تخلقني واحدة شكلها أحسن من كده.."ولأني صدقت أن كل ما بي سيئ، وصدقت كوني مرفوضة وفاشلة، بدأت أهرب من شخصيتي الحقيقية وأقلد أية شخصية أعجب بها.. أردت أن أكون أي شخص آخر إلا أنا. وشعرت فجأة أنني تهت.. نسيت مَنْ أنا ومَنْ أكون.. نسيت شخصيتي وحاولت أذوب في شخصيات أخرى عديدة.. ووسط كل هذا كنت في أعماقي أحتاج العودة إلى الرب لأشعر مرة أخرى أنني أقف على أرض صلبة..".حقاً كنت أندهش جداً وأتعجب عندما جلست معها للمرة الأولى منذ عدة شهور واستمعت لها وهي تذكر نفس الكلمات السابقة؛ فهي بالفعل جميلة المنظر وشكلها جذاب جداً.. طالبة ناجحة.. ذات شخصية متزنة.. متحدثة لبقة.. ولكن كيف تفكر بهذه الطريقة؟ وكيف تسللت كل هذه الأكاذيب إلى حياتها؟!. تذكرت قصة هذه الفتاة أثناء انشغالي بكتابة هذا الكتيب، وأنا أرى ذات الطرق التي استخدمها إبليس ولا يزال يستخدمها عبر السنين والأجيال وحتى يومنا هذا. نعم كان ولا يزال يعذب النفوس ويحول حياتها إلى صراعات بسبب أكاذيبه الخادعة التي يتكلم بها إلينا سواء عن أنفسنا أو عن إلهنا. ولكن شكرا لله لأن هذه ليست نهاية القصة بل أن محبته تتدخل دائماً لتهدم أعمال إبليس وتشفي حياة كل من يتجاوب معها، وهذا ما سنراه بعد قليل. أما الآن فدعونا نرى بأكثر تفصيلاً كيف يخرب العدو وكيف يشفي الله.
قصة كتابية
يذكر لنا الكتاب المقدس في سفر العدد (21: 4-9) قصة واقعية يتشابه مضمونها مع قصة هذه الفتاة. ورغم أن القصة الكتابية تتحدث عن محبة الله لشعبه وتحننه عليهم، إلا أنها تبدأ بتذمر شعب بأكمله على الله نفسه. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتذمر فيها بنو إسرائيل على الله، فكثيراً ما رأينا تذمرهم في البرية وهم يشتهون طعام أرض مصر غير مفتكرين سنوات العبودية المريرة التي كانوا يعيشون فيها مسخرين من أعداءهم، وكيف أخرجهم الرب من هناك بذراع قوية ويد شديدة. كما تناسوا المَنْ الذي كان يمطره عليهم الرب مجاناً من السماء، وزاداً للشبع ليلتقطون منه حاجة اليوم بيومه.. والكثير والكثير من الأمور التي كان الله يتعامل بها معهم..
أكاذيب.. أكاذيب
كانت هذه هي آخر مناسبة يسجل فيها سفر العدد تذمر بنو إسرائيل على الله وإظهار حنينهم إلى ملذات مصر بعد سلسلة طويلة من التذمر المتوالي. انظروا معي كيف كان الشعب مخدوعاً فتكلم بكلمات غريبة غير حقيقية بالمرة قائلين ".. لماذا أصعدتمانا من مصر لنموت في البرية لأنه لا خبز ولا ماء وقد كرهت أنفسنا الطعام السخيف" عدد5:21 . تُرى من أين أتت إليهم هذه الأفكار الخادعة؟! ياله من استخفاف بأمور الرب وتصديق لأفكار العدو الكاذبة المخالفة لكل عيان وكل منطق!.
قضى الشعب أكثر من أربعين عاماً في البرية منذ أن أخرجهم الرب من عبودية أرض مصر وحتى أحداث هذه القصة. وعلى مدار هذه الأربعين عاماً كان الرب يشبعهم ويرويهم بل ويحامي عنهم. أربعون عاماً قد مضت ، ولم ينس الرب يوماً واحداً أن يرسل لهم المَنْ مع صباح كل يوم جديد.. أربعون عاماً يصفها الكتاب قائلاً "ثيابك لم تبل ورجلك لم تتورم.." تث4:8 . وبالرغم من كل هذا انظر ماذا قالوا في الآيات السابقة:
1. قالوا نموت في البرية! مَنْ إذاً الذي سار بهم في القفر العظيم المخوف مكان الحيات المحرقة والعقارب دون أن يصابوا بأذى أو يلدغوا بسُم الحيات لسنوات طوال؟ بالطبع لم يموتوا..
2. قالوا لا خبز لنا! مَنْ إذاً الذي أطعمهم المَنْ في البرية وأذاقهم خبز الملائكة الذي لم يعرفوه ولا عرفه آبائهم؟ بالطبع كانوا يشبعون..
3. قالوا لا ماء لنا! مَنْ إذاً الذي أخرج لهم ماء من صخرة الصوان؟
4. قالوا كرهت أنفسنا الطعام السخيف! هل وصل بهم الخداع أقصاه ووصفوا المَنْ السماوي بالطعام السخيف؟! وأصل كلمة "سخيف" باللغة العبرية ( قلوقيل)، ومشتقة من ( قليل = محتقر) أو ( قال = هزيل وتافه) أي الطعام المحتقر الهزيل! ادّعوا أن الطعام السماوي الذي يأكلونه بلا قيمة غذائية.. طعام يتناسب مع الأطفال الصغار فقط وليس الكبار أو قادة الجيش، وتناسوا أنهم ساروا بقوة ذلك الطعام أربعين عاماً بأكملها دون أن يصيبهم الإعياء أو الإجهاد. ياله من إله يصنع عجائب مع شعب لا يؤمن به ولا يثق فيه.. لا يفهم عجائبه ولا يذكر كثرة مراحمه.. يسرع وينسى أعماله.. وهاهم يتمردون عليه مرة تلو الأخرى. كم رأيت من أناس يعيشون في خداع وأكاذيب العدو لسنوات طويلة تسيطر عليهم أفكاراً مدمرة تمنعهم بشتى الطرق من الاقتراب والتمتع بالرب، بل ويتذمرون عليه وعلى كل ما بالحياة. وبعد أن يتقابلوا معه مقابلة حقيقية في يومٍ ما، إذ بهم- بطريقة أو بأخرى- يكتشفون خداع إبليس، فيدركون كم كانوا في دوامة مريرة لا نهاية لها، ولولا تدخل الله لهلكوا. لذا أريد أن أنبهك – بدافع الحب الصادق- وأحذرك من التذمر لأنه مكتوب "ولا تتذمروا كما تذمر أيضاً أناس منهم فأهلكهم المهلك" 1كو10:10 وأيضاً من الاستسلام أو التجاوب مع أفكار وأكاذيب العدو الذي يريد أن يضعف نفسيتك.. ويبلي حياتك.. بل ويدمر علاقتك مع الرب نفسه أو يشوه صورته في عينيك، فتفقد أثمن ما في الحياة. رجاء إذا جاء العدو ليحاربك ، قل له بثقة "لا لن أصدقك.. أنت كاذب وكلامك كذب..". ولا تعثر في الرب ولا تصطدم به لأنه هو الوحيد الذي يستطيع أن يعينك ويعولك.
كوارث الاستسلام للأكاذيب والخطايا
وما هي نتيجة الاستسلام لأكاذيب العدو؟ استمر الشعب في التعدي على الله مصراً على خطايا التذمر والتمرد، فأرسل الرب عليهم تأديباً قاسياً.. "فأرسل الرب على الشعب الحيات المحرقة (السامة – المميتة – الملتهبة) فلدغت الشعب فمات قوم كثيرون من إسرائيل" عدد6 .هل تعلم أن البرية (صحراء سيناء) كانت مكان حيات محرقة وعقارب (تث15:8) بما فيها من أفاعي الكوبرا، أخطر أنواع الحيات؟ وفي هذه الصحراء كانت تقطن أنواع عديدة من الحيات يزحف بعضها بين الحشائش، ويختفي البعض الآخر في الجحور والرمال ويهاجم ويلدغ بغتة دون إنذار مسبق. ورغم ذلك سكن الشعب هناك في أمان لمدة أربعين سنة بأكملها دون أن يصابوا بأذى بسبب حماية الرب لهم، فالحيات والعقارب لم تكن لها القدرة على إيذائهم. ولكن الآن، وبسبب الخطية، هاهو الرب يرفع حمايته عنهم بل ويرسل إليهم تلك الحيات لتلدغهم. ويا له من أمر مخيف مرعب! فقد كانوا يعلمون أن لدغة واحدة من الحية السامة تعني آلام مبرحة ثم موت أكيد، وكانوا يعرفون أعراض اللدغات السامة وهي الإصابة بحمى شديدة وعطش شديد.. وانتفاخ بالجسم.. وبعد ذلك يكون الموت هو المصير المحتوم.
ومازالت القصة تتكرر معنا هذه الأيام، فبسبب الخطية، ما زال الكثيرون يتعرضون للدغات الحيات وسمومها داخلها. فالكتاب المقدس يعلن صراحة أن الخطية مميتة وعاقبتها موت ساحق. ".. عاقبتها (نهايتها) مُرة كالأفسنتين (نبات سام – علقم).. قدماها تنحدران إلى الموت. خطواتها تتمسك بالهاوية (جهنم – الجحيم – مكان الأموات)" أم 5: 4-5 .كما أن الخطية وتفتح الباب أمام العدو ليرسل سهامه الشريرة الملتهبة (أف16:6) فيدمر الحياة بجملتها. ولهذا أقول لك أرجوك لا تستهن بحياة الخطية.. ولا تستهن بابتعادك عن الله وتذمرك عليه أو احتقارك إياه.. ولا تكتف بالعلاقة الشكلية معه فهي لن يفيد شيئاً وغير قادرة أن تنجيك.
نقطة تحول أتت بالعلاج
واستمر حال الشعب على هذا المنوال يوما بعد يوم؛ يلدغون.. فيتألمون.. ثم أخيراً يموتون، إلى أن قرر الشعب الاعتراف بخطيته والعودة إلى الرب. "فأتى الشعب إلى موسى وقالوا قد أخطأنا إذ تكلمنا على الرب وعليك فصل إلى الرب ليرفع عنا الحيات.." عدد7:21 . كانت هذه نقطة التحول في القصة كلها، وسرعان ما جاء بعد ذلك تدخل الله المعجزي الذي يحمل علاجاً وشفاء يالها من لحظة حاسمة في حياتنا، تلك اللحظة التي نصل فيها إلى مواجهة صادقة مع أنفسنا ونكتشف ابتعادنا عن الله وغربتنا عنه. يالها من لحظة ثمينة، تلك التي ندرك فيها احتياجنا لوقفة صادقة ومراجعة ما مضى من حياتنا. كم هي ثمينة تلك اللحظة التي فيها ننتبه للدغات الحية وآثار الأيام فنرى إلهاً عجيباً عنده الحياة. كم كانت هذه اللحظة محورية في حياة الابن الضال عندما رجع إلى نفسه واكتشف بؤس حياته مقارنة بما ينتظره من أمجاد في بيت الآب!. إني أصلي أن يحاصرك روح الله الآن لتأخذ قراراً من كل قلبك لتعود إلى الإله الحي معترفاً له بأخطائك ومقراً بآثامك.. كاشفاً له فراغ قلبك وجوعك الحقيقي إليه. إن اللحظة التي اعترف فيها الشعب على الأرض بخطاياه إلى الله، كانت ثمينة جداً عند الرب في السماء، فتدخل.. واستجاب.. وأرسل العلاج.
العلاج الإلهي
ياله من حب فائض غامر يتغاضى عن كل أنواع الخطايا. فكما لا يطيق الله الإثم، نراه أيضاً لا يتحمل موت الإنسان بل يأتيه بالحياة. ربما تساءل كثيرون وهم يلدغون قائلين "أين هو الرب؟.. أين هي احساناته؟.. أين هي وعوده؟.." غير عالمين أنه كان ينتظر لحظة رجوع حقيقية واعتراف بالخطية. ففي ذات اللحظة التي شعروا فيها بخطيتهم، جاء التدخل الإلهي، وكانت النعمة هي الجواب.
وإذا أردت أن تعرف معي ما في قلب الآب تجاه الخطاة وتجاهك أنت أيضاً حتى وأنت تحيا بعيداً عنه، دعنا نقرأ لمحات من سفر حزقيال النبي التي تعلن عن موقف الله من عالم شرير، فتدرك ذلك الحب العجيب. يقول الرب "هل مسرة أسر بموت الشرير يقول السيد الرب. ألا برجوعه عن طرقه فيحيا.. فلماذا تموتون يا بيت إسرائيل. لأني لا أسر بموت من يموت يقول السيد الرب. فارجعوا واحيوا" حز23:18 ، 31-32 .
نعم الله لا يسر بموتك.. الله لا يسر بآلامك.. هو ينتظر لحظة رجوعك.. ارجع إليه فتحيا.
لهذا أنظر معي ما حدث. "فقال الرب لموسى اصنع لك حية محرقة وضعها على راية فكل من لدغ ونظر إليها يحيا. فصنع موسى حية من نحاس ووضعها على الراية فكان متى لدغت حية إنساناً ونظر إلى حية النحاس يحيا" عدد21: 8-9 . أصدر الرب أمراً عجيباً لموسى قائلاً له أن يصنع حية مماثلة للتي تلدغ الشعب ولكن من نحاس، ويضعها على راية لكي ينظر إليها كل من يلدغ فيحيا. نعم قدم لهم الرب علاجاً وجعل الحية التي كانت علامة الموت ومصدره هي مصدر حياة!.
ولم ينته الحديث عن الحية النحاسية بهذه القصة من سفر العدد، بل يأتي الرسول يوحنا في العهد الجديد مقدماً لنا إعلاناً عظيماً وثميناً عن هذه الحية موضحاً أنها كانت صورة رمزية مباشرة للرب يسوع معلقاً على الصليب، الأمر الذي جعل قصة الحية النحاسية من أشهر أحداث الكتاب المقدس. فانظر ماذا قال:
"وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحيوة الأبدية. لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحيوة الأبدية.. الذي يؤمن به لا يدان والذي لا يؤمن قد دين لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد" يو3: 14-18
فمثلما قدم الله في محبته بالعهد القديم الحية النحاسية علاجاً وحياة لمن لدغتهم الحيات، هكذا قدم الآن في العهد الجديد ابنه يسوع معلقاً على خشبة الصليب علاجاً وحياة لكل العالم الخاطئ. وصار الصليب هو إعلان المحبة القوية لعالم هالك. إن الحية والصليب هما صورتان لشيء واحد، وفي الحالتين نرى علامة الموت تتحول إلى طريق الحياة.
هل تساءلت من قبل أو تعجبت كيف تكون الحية هي وسيلة الشفاء؟ أو لماذا اختار الله الحية بالتحديد لتكون هي باب النجاة ؟ ألم يستطع إيجاد وسيلة أخرى غير هذه؟!. وتماماً مثلما تساءل الكثيرون "لماذا الحية"، تساءل أكثر منهم "كيف يكون الصليب والموت شفاء وحياة؟". أسئلة كثيراً ما دارت في أذهان المتشككين والمفكرين الناقدين، الذين قد تكون أنت واحداً منهم، لكني أؤكد لك أنه لو لمعت الإجابة داخلك واقتنعت بها بروحك، لتغيرت كل أفكارك واتجاهات قلبك!.
لماذا الحية النحاسية؟
والآن دعونا ننظر لماذا اختار الله الحية.. ولماذا كان الصليب.. وما المعنى والرسالة التي يحملها الكتاب المقدس لنا.
أ – الحية رجس ولعنة
كانت الحيات بالنسبة لإسرائيل رجساً (لا42:11).. كانت تذكاراً لهم بالخطية واللعنة لأن الحية هي التي أغوت حواء وآدم للسقوط في الخطية ومن ثم صارا تحت اللعنة (تك3). وهانحن نرى الحيات مرة أخرى في هذه القصة مصدراً للموت عقاباً على الخطية والتذمر.
وبالمثل تماماً يا أحبائي كان الصليب. أليس مكتوباً ".. ملعون كل من علق على خشبة" غلا13:3 وكذلك ".. لأن المعلق ملعون من الله.." تث23:21. لهذا كان الصليب عند اليهود عثرة ولليونانيين جهالة. ألم ترى كيف كان الصليب مصدر للسخرية والمهانة فصاروا يهزئون به (متى41:27 ؛ مر15: 29 – 30)؟.
إذاً كيف يقبل ابن الله أن يٌصلب؟ ألم يكن الله يعلم تلك الحقائق المكتوبة بالناموس والشريعة؟ ألم يكن الآب يعلم أنه إن علق يسوع على الصليب يكون ملعوناً؟ ألم يكن يعرف أنه بهذا يعرض ابنه يسوع للسخرية والمهانة؟! بالطبع كان يعلم كل هذا تماماً، ولكن هذا هو سر الحب.
لقد كان الصليب هو الطريق الوحيد لفداء الإنسان.. كان لابد للفادي أن يحمل نفس الموت والعقاب الذي كان علينا، ولهذا اختار المسيح بإرادته الحرة أن يفدينا من اللعنات بأن يصير لعنة لأجلنا فاختار الصليب (غلا13:3).. أراد أن يكون خطية لأجلنا - وهو الذي لم يعرف خطية – لنصير نحن بر الله فيه (2كو21:5). ولهذا أرسل الآب ابنه في شبه جسد الخطية لكي يدين خطايانا بالموت (رو3:8). ولأن الخطية مصدر الموت، كان يجب أن تدان بالموت لنأخذ حياة.
لذا اشكر الرب من كل قلبك لأنه وضع نفسه طوعاً واختياراً ليسحق على خشبة اللعنة لأجلك ولأجل خلاصنا جميعاً.. اشكره لأنه علق على الصليب كفارة عن خطاياك وآثامك، وصار لعنة لأجلك ليفديك من كل عقاب.
ب- الحية رمز للشيطان
كانت الحية ترمز للشيطان (تك1:3 ؛ رؤ9:12 ؛ 2:20)، لهذا رفعت الحية النحاسية إشارة لدينونة الشيطان وهزيمته وسحقه. وهكذا الرب يسوع أيضاً رفع على الصليب لكي يسحق الشيطان وأعمال إبليس، كما هو مكتوب ".. لكي يبيد بالموت (موت يسوع) ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس" عب14:2، وأيضاً "جرد الرياسات والسلاطين (نزع سلاح إبليس) أشهرهم (فضحهم) جهاراً ظافراً بهم فيه (في الصليب)" كو15:2 .
ج- الحية من النحاس
من المعروف أن النحاس أشد من الحديد والذهب والفضة، ومن خواصه وسماته القوة والصلابة والمتانة والاحتمال. ولهذا نرى الرب يسوع في سفر الرؤيا وقد وصفت رجلاه بالنحاس النقي كأنهما محميتان في أتون (رؤ15:1). ويرتبط النحاس في الكتاب المقدس بالدينونة والقضاء الإلهي، فالمذبح الذي كانت تقدم عليه الذبائح في العهد القديم كان يسمى "مذبح النحاس" إذ كان مصنوعاً من خشب السنط ويغطى بالنحاس.
ولذلك كانت الحية التي تشير إلى المسيح المصلوب من نحاس، فلقد احتمل المسيح أشد أنواع العقاب بديلاً عن الإنسان، كما احتمل الدينونة الكاملة عوضاً عنه، رغم كونه بلا خطية وبلا دنس.
لم يحتمل المسيح في الصليب آلاماً جسدية فحسب، بل احتمل آلاماً نفسية وكفارية متعددة معلناً لك محبته القوية. فقد قرر أن يحتمل على الصليب كل المعاناة حتى لا تعاني أنت "من ثم كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شئ لكي يكون رحيماً.. لأنه في ما هو قد تألم مجرباً يقدر أن يعين المجربين" عب2: 17-18.
والآن هيا نلقي نظرة على إشعياء 53، ذلك الأصحاح الذهبي في العهد القديم، الذي تنبأ بوضوح عن صلب يسوع وفدائه للإنسان لترى أنه احتمل بالفعل كل أنواع العذاب والعقاب بديلاً عنك، بل احتمل كل مشاعر جريحة جزت فيها طوال حياتك لكي يتمم لك الفداء من الخطية ونتائجها..
1. فإذا كنت دائما تلوم الرب بسبب شكلك الغير جذاب.. أو لون جلدك الغير مقبول.. أو عيب خلقي ولدت به وتشعر بنفور الناس منك.. أو إن كنت تشعرين بأنك غير جميلة وأنه ليس من يحبك أو ينظر إليك، فعلى الصليب نظر الناس إلى يسوع ودهش منه كثيرون، إذ تشوه منظره أكثر من أي رجل، وصورته أكثر من بنى البشر. كان لا صورة له ولا جمال يسترعيان أنظار الناس، ولا منظر فيشتهونه، مع أنه الأبرع جمالاً من بني البشر (مز2:45).
2. وإذا كنت تعاني من إهانات كثيرة وليس من يسأل عنك.. حرمت من محبة الآخرين وامتلأت حياتك بالأحزان والأتعاب.. لا يعتد الناس برأيك وكأنك لست بموجود.. محتقر مرفوض من المحيطين بك، فعلى الصليب كان يسوع محتقراً ومنبوذاً من الناس، رجل آلام ومختبر الحزن، مخذول كمن حجب الناس عنه وجوههم ولم يعتدوا به.
3. وإذا أعيتك المسئوليات الموكلة إليك ممن حولك.. وأنفقت عمرك وشبابك وصحتك ومالك بلا مقابل أو حتى سماع كلمة شكر.. إذا ضحيت بحياتك لأحد أقاربك المقربين إليك وظننت أنك خسرت الكل، فالرب يسوع أيضاً على الصليب حمل (أي أثقل كاهله.. حمل أحمال على كتفيه) إثم جميعنا. لم يتحمل هذه الأحمال والمسئوليات من الآخرين، بل بإرادته أثقل كاهله بآثام البشر جميعاً بما فيهم أنا وأنت، وهو لم يفعل خطية!.
4. وإذا كنت تعاني من أصعب الأمراض النفسية أو الجسدية وتظن أنه ليس من شفاء.. إذا قلت داخلك "مستحيل.. كفى محاولات.."، فاعلم أيضاً أنه على الصليب أخذ الرب كل أنواع الأمراض – بما فيهم مرضك أنت – حتى حسبه الناس مصاباً مضروباً من الله مذلولاً. وكلمة "مضروباً" تأتي بمعنى "مضروباً بالبرص" وهو أشد أنواع الأمراض خطورة في ذلك العصر. هل تعلم لماذا؟ لكي يحمل أحزاننا ويتحمل أوجاعنا ويبرئنا من أمراضنا . "..الذي بجلدته شفيتم" 1بط24:2
5. وإذا كنت ظلمت أو في حالة ظلم دائمة.. لا تأخذ أجر ما تتعب فيه.. لا تتمتع بالبركات.. يسلب العدو كل ما تمتلكه.. دائماً ما يشك الناس فيك ظلماً، فحتى هذه المشاعر أيضاً اجتاز فيها الرب يسوع. لقد ظلم وأذل، ولكنه لم يفتح فاه، بل كشاه سيق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازيها لم يفتح فاه. لم يدافع عن نفسه مع أنه كان قادر على ذلك إذ لم يرتكب جوراً ولم يكن في فمه غش، حتى أنه سكب للموت نفسه وأحصى مع أثمة، فكان قبره مع الأشرار (لصوص). نعم كان كالعبد الخاضع يتمم مشيئة الآب من أجل تبريرك وشفاءك أنت.
وهل تعلم أن الرب يسوع لم يكن مظلوماً عند الصليب فحسب، بل ظلم بشدة منذ لحظة سماع خبر تكوينه جنيناً في بطن أمه، فمريم ا لعذراء التي لم تعرف رجلاً ".. وجدت حبلى من الروح القدس. فيوسف رجلها (خطيبها) باراً ولم يشأ أن يشهرها أراد تخليتها (قرر تركها) سراً" متى1: 18-19 لولا ظهور ملاك الرب له في حلم. فحتى وإن كنت ابناً غير شرعياً يعيرك الناس من أحداث لا ذنب لك فيها، فالرب يسوع يشعر بك ومات على الصليب ليعطيك راحته ويرفع من قدرك وشأنك.
1. أما إذا كنت انحرفت بعيداً في خطايا عديدة بلا ضابط ولا رابط.. ضللت الطريق وأثقل كاهلك بخطايا لا حصر لها، فعلى الصليب كان يسوع مجروحاً من أجل آثامنا (كل أنواع ضعفنا) ومسحوقاً من أجل معاصينا (تمردنا وعنادنا). نعم تحمل عقاب خطاياك التي فعلتها بإرادتك والتي فعلتها دون إرادتك مهما كان عددها أو حجمها.
يقول الكتاب ".. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج. إن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف" إش8:1 . ومعنى الآية في الترجمة التفسيرية أنه إن كانت خطاياكم كلطخات قرمزية فإنها تبيض كالثلج، وإن كانت حمراء كصبغ الدودي تصبح في نقاء الصوف. كان القرمز لون صبغة ثابتة شديدة الحمرة. وكان من المستحيل عملياً إزالة بقعها من الثياب. وهكذا صبغة الخطية تبدو ثابتة، ولا أحد يستطيع أن يمحو آثارها إلا دم يسوع الذي يزيل أشد أقذارنا ثباتاً.
فالغفران هو أعظم وأثمن حقيقة يعلنها الكتاب المقدس وحده دون سواه. فمن الذي يقدر أن يغفر خطايا أمس واليوم والغد إلا الرب يسوع وحده؟! ومن ذا الذي يعطي راحة للضمير إلا هو؟! ومن سواه حمل العقاب الذي كنا في الواقع نستحقه نحن؟ "من هو إله مثلك غافر الإثم وصافح عن الذنب.. لا يحفظ إلى الأبد غضبه فإنه يسر بالرأفة. يعود يرحمنا يدوس آثامنا (يطأ ذنبوبنا بقدميه) وتطرح في أعماق البحر جميع خطاياهم" ميخا 7: 18-19 . نعم، تألم المسيح لأجلك ليغفر خطاياك ويطهرك من كل إثم ويجعلك مقبولاً لدى الله. نعم كان يسوع هو آخر ذبيحة تقدم عن الجنس البشري إذ ".. جعل نفسه ذبيحة إثم.." إش10:53 لأن في ذبيحة يسوع كل الكفاية، ولا يوجد احتياج لذبائح أخرى تكفر بها عن ذنبك.
والآن هل علمت لماذا كانت الحية من نحاس؟!. فالنحاس يعد من أكثر المعادن احتمالاً، وهاأنت قد رأيت كم
احتمل يسوع من أجلك كل نيران الدينونة والعقاب الإلهي مقدماً لك الفداء والشفاء
الكاتب : غادة طلعت

ليست هناك تعليقات:

 

Hit Counter
Dating Site